نهايه الأسبوع ماقبل الماضي رحل في صمت دون إعلان أو معرفة من الأهل والزملاء الكاتب الرائد يوسف الشيخ يعقوب مؤسس جريدة «الفجر الجديد» في المنطقة الشرقية والكاتب في (اليوم) ولأن الخبر لم يصل إلا مؤخرا كان لنا العذر في طرح هذه الصفحة عن الراحل متأخرة بعض الوقت ..تحمل بعض مقالات من عرفوا تاريخ الرجل ومن عايشوه من أسرته وإضاءة حول الفجر الجديد وبعض كتابات الراحل الذي عشق الوطن وكرمته وزارة الثقافة وكرم من جهات عديدة في المملكة. من كتابات الراحل عروبة الخليج.. بين الواقع والوهم والتحدي من هم وراء طمس عروبة الخليج؟ أول من أطلق الاسم الخطأ على الخليج؟ دور مجلس التعاون.. ودور المؤسسات العلمية والأكاديمية عندما دخلت عنق الزجاجة!! من الذي أعاد للخليج عروبته؟. عندما نشرت دراستي على كتاب (عروبة الخليج) للكاتب والمؤلف اللبناني الأستاذ قدري قلعجي مشيدا بما تضمنه ذلك الكتاب الهام من تطلعات قومية وعلمية وتاريخية تتعلق بجغرافية الخليج العربي وتاريخه, من أقدم العصور حتى يومنا هذا وعن المصطلحات التاريخية والسياسية وتجاهل الاسم الحقيقي الذي أثبته الرحالة الكبار عندما كان يطلق عليه البحر الأدنى والبحر المر, والبحر العربي وخليج البصرة وبحر القطيف كما هو مثبت في الخرائط القديمة وان الذي أطلق عليه اسم (الخليج الفارسي) خطأ كان قائد اسطول الاسكندر المقدوني عام 325 قبل الميلاد عندما اقتحم بأساطيله وجيوشه الجرارة (مملكة الفرس).. واستمر المؤرخون ورسامو الخرائط الجغرافية يتبنون ذلك الاسم المغلوط دون تحر أو جهد علمي لتحري الواقع والحقيقة, لكن المؤرخ الروماني بليني في القرن الاول للميلاد هو الذي أعطى ورد للخليج طابعه واسمه العربي معرفا إياه باسمه الحقيقي الخليج العربي لا الفارسي.. وكان ذلك التعريف المنصف والصادق لتضاريس الجغرافية الدقيقة ردا على جميع من سار على ذلك الاسم الخطأ في رسم الخرائط والمخطوطات ولما توهمه الرحالة, وقد تمسك بهذه الحقيقة الرحالة كارسن نيبور الذي جاب الجزيرة العربية عام 1762م مؤكدا عروبة الخليج وزاد على التأكيد المؤرخ البريطاني رودريك اوين الذي زار الخليج وكتب عنه عام 1957م. لقد تصدى لبحثه الأستاذ جمال عبدالجواد من الدمام مشيدا بتلك الدراسة وملفتا نظري في خلطي بين شخصية ذي القرنين الذي ورد اسمه في القرآن الكريم والاسكندر المقدوني ذلك الالتباس الذي وقع فيه الكثيرون من الكتاب والمؤرخين مثل المسعودي وابن الاثير، وحتى المحدثين ومنهم جورجي زيدان الذين رجحوا ان ذا القرنين هو الاسكندر المقدوني. وحتى اتجنب الدخول في دوامة من المتاهات التاريخية ولأنجو من الزج بي في تلك الامور الشائكة وبما يشبه عنق الزجاجة الذي يبعدني عن الغاية والهدف المعنوي للبحث الذي كتبته, وهو التمسك بمصداقية عروبة الخليج وتنقيته وتجريده من خطأ المؤرخين والرحالة العرب والاجانب,, وحتى نقطع الطريق لكل من يكابر ويصر على تلك التسمية المخالفة للواقع.
الراحل في سطور يوسف الشيخ يعقوب..سيرة ذاتية -ولد الأستاذ يوسف الشيخ يعقوب اليوسف بالجبيل في حدود عام 1350ه/1931م وقيل 1344ه, 1925م وأكمل دراسته الابتدائية بها. -زاول الكتابة وأسهم في الحركة الفكرية . -شخصية متقدة, وافرة الفكر والإحساس, شغف بالمطالعة حتى برع في الكتابة, فأسهم في إحياء الحركة الفكرية في موطنه وعني بكتابة البحوث الاجتماعية التي تدرس مشاكل المجتمع, نشرت في بعض صحف الخليج والصحف المصرية, - أسهم في مستهل شبابه بإحياء الحركة الرياضية وله مؤلف مطبوع عن (نظام الرياضة), وقد تحول عنها إلى الصحافة -أسس بالاشتراك مع أخيه أحمد جريدة أدبية أسبوعية باسم (الفجر الجديد): صدر منها ثلاثة أعداد في مدينة الدمام ثم توقفت: - عمل في شركة الزيت العربية (أرامكو) بالظهران عدة سنوات. - تنقل في عدة وظائف حكومية في المحكمة الشرعية والشرطة والجمارك. - افتتح مكتبا للمحاماة في الخبر مع عبدالله الحقيل عام 1373ه 1954م. - كتب في عدد من الدوريات المحلية والعربية وله مساهمات في الحركة الرياضية. - أصدر مع شقيقه أحمد الشيخ يعقوب جريدة الفجر الجديد بالدمام عام 1374ه،. - كان يوقع مقالاته باسم (فتى الخليج العربي). - أنشأ مكتبة أهلية تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب الدينية والأدبية. - يكتب مقالا بجريدة «اليوم» بعنوان (كلمات من القلب) من مؤلفاته: - نظام الرياضة. - قوس قزج, رواية اجتماعية. - تاريخ مدينة عينين. - فلسفة الخوف. - من أجل مكتبة أفضل. جريدة الفجر الجديد صدر العدد الأول من جريدة الفجر الجديد يوم السبت 11 رجب 1374ه, الموافق 5 مارس 1955م, وكتب في صفحتها الأولى أنها (جريدة أسبوعية جامعة, يشرف عليها نخبة من المثقفين) وفي العدد الثاني أضيف (تصدر مؤقتا نصف شهرية – ثمن النسخة نصف ريال), صاحب الامتياز ومدير التحرير أحمد الشيخ يعقوب رئيس التحرير يوسف الشيخ يعقوب.. الاشتراكات: داخل المملكة 25 ريالا سعوديا وخارج المملكة 40 ريالا سعوديا. صدرت الأعداد الثلاثة: مما صدر من الجريدة – بثماني صفحات على مقاس 44 * 30سم. نشر في آخر الصفحة الأولى من العدد الأول إنها تطبع في (المطبعة السعودية) والمعروف أن هذه المطبعة قد أنشأها عام 1373ه, الشاعر خالد محمد الفرج بالدمام 1316 – 1374ه, قبيل وفاته. كتب افتتاحية العدد الأول أحمد الشيخ يعقوب بعنوان (اعتراف لابد منه) وشارك بالكتابة بهذا العدد الأساتذة: عبدالعزيز بن محمد القاضي (خطوة) وعبدالله بن محمد بن خميس (فجر جديد في عالم الصحافة) وسعد البواردي (فجر جديد) قصيدة, وعبدالرسول الجشي (الدمام في مدرجة التاريخ) الدمام – م. ق (قصة العدد – ورقة الطلاق), يوسف الشيخ يعقوب (في موكب الفجر) حسن عبدالله القرشي (سنسحق أعداءنا) قصيدة, عبدالرحمن المحمد المنصور (أنات لاجئ) قصيدة, وفي هذا العدد نعي للشاعر خالد المفرج مؤسس مطابعها. كتب افتتاحية العدد الثاني الصادر يوم السبت 25 رجب 1374ه, الموافق 19 آذار 1955م. أبوعمر: من أسرة التحرير بعنوان (نريد فكرة لا أسلوبا) وهذا هو الاسم الرمزي للأستاذ محمد الهوشان. وكتب افتتاحية العدد الثالث والأخير – الصادر يوم السبت 9 شعبان 1374ه, الموافق2 نيسان 1955م الأستاذ عبدالغني ناضرين بعنوان (التعليم والثقافة العامة). كما كتب في العدد نفسه الأستاذ يوسف يعقوب بعنوان (رئيس التحرير في قفص الاتهام). - توفي الخميس ماقبل الماضي عن عمر يناهز93 عاما (يرحمه الله)
رائد يستحق التكريم في اليوم الخامس لمغادرة الرائد الصحفي يوسف الشيخ يعقوب يصلني اتصال من القسم الثقافي بجريدة اليوم ليطلب مشاركتي في تأبينه –رحمه الله-. في العام الماضي 1431ه, 2010م كان من المفروض إقامة حفل كبير لتكريم رواد الصحافة المبكرة بالمملكة بدعوة من جمعية الصحفيين الخليجيين والتي تتخذ من (المنامة) مقرا لها ويرأسها الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير الرياض ويتولى أمانتها الأستاذ العثمان رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية سابقا وضمن أعضاء مجلسها الموقر الأستاذ محمد الوعيل رئيس تحرير جريدة اليوم وعبدالله الحجلان وأعضاء من دول الخليج العربي واليمن. وكان من ضمن المكرمين الرائد يوسف الشيخ يعقوب بصفته رئيس تحرير جريدة (الفجر الجديد) التي صدرت ثم أوقفت عام 1374ه، 1955م ولكن الموت صار اسرع وقبله بثلاثة اشهر او اربعة توفي الرائد الآخر الشيخ عبدالله بن خميس بدلا من ان يكرم مع الرواد.. 32 رائدا كلهم رحلوا لم يبق منهم وقتها سوى 9 رواد اما اليوم فلم يبق سوى سبعة رحم الله المتوفى وأطال عمر الباقي. وقد اتصلت مساء الجمعة الماضي بأبي نايف محمد الوعيل عضو الجمعية ورئيس تحرير جريدة اليوم معزيا وطالبا بسرعة اقامة الحفل التكريمي قبل ان يغيب الموت من ينتظرون, وقد اتصلت الاثنين 21/10 بالاستاذ ناصر العثمان ووجدته ببيروت وقال انه سيلتقي خلال الاسبوعين القادمين بالاستاذ تركي السديري ولابد أن يحدد حفل التكريم قبل نهاية هذا العام.. والجدير ذكره ان المملكة قد كرمت رواد الصحافة في حفل افتتاح معرض الكتاب الدولي بالرياض عام 1428ه ومن ضمنهم الراحل يوسف الشيخ يعقوب وناب عنه ابنه الاكبر يعقوب، لم اعرف الراحل يوسف الا مؤخرا ففي عام 1421ه, اقام فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام حفل تكريم للرائد الكبير عبدالكريم الجهيمان بمناسبة تكريمه بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في نفس العام وشارك عدد من الرواد وغيرهم في الاحتفال بالجهيمان وكان من بينهم الراحل يوسف الشيخ يعقوب والذي تحدث مستعرضا فترة زمنية تقارب نصف قرن استعرض فيها احداثا كثيرة، زرته رحمه الله في منزله بالخبر وسجلت معه في برنامج مكتبة الملك فهد الوطنية (التاريخ الشفهي للمملكة) وذكر شيئا من تاريخ الأسرة وقدوم والدهم الى البحرين حيث ولد ثم قطر ثم الجبيل حيث دعا الملك عبدالعزيز والده وأقام هناك يقضي بين من يعرض عليه قضايا للفصل فيها كما ادار اول مدرسة نظامية تفتح هناك. ولد وتعلم يوسف في الجبيل وبدأ يقرأ ما يقع في يده وبرز وساهم في احياء الحركة الفكرية في المنطقة وكتب البحوث الاجتماعية التي تتناول مشكلات المجتمع حيث بدأ ينشرها بالصحف قبل معرفة المنطقة الصحافة. وقد ترجم له الراحل عبدالرحمن العبيد في كتابه الشهير (الأدب في الخليج العربي) والذي طبع في 1377ه, أي قبل ستة وخمسين عاما. ألف الكثير من الكتب الثقافية وتحول عنها الى الصحافة حيث كتب بجريدة اليمامة لدى الشيخ حمد الجاسر بالرياض واخبار الظهران عندما انشأها عبدالله الملحوق وعبدالكريم الجهيمان بالدمام, ثم اسس مع شقيقه احمد جريدة (الفجر الجديد) عام 1374ه, بعد اخبار الظهران الشهرية ولكن لم يكتب لها الاستمرار وبعد ان فصل من عمله في ارامكو عمل في مكتب العمل والعمال عند افتتاحه بالدمام ورأسه عبدالعزيز المعمر الى جانب الشاعرين عبدالرحمن المنصور وعبدالله الجشي وكان من الاعضاء الذين رفعت اسماؤهم لوزارة الاعلام عند انشائها لانشاء جريدة المنطقة الشرقية ضمن نظام المؤسسات الصحفية, وكما عرفت منه رحمه الله انه هو من اقترح اسم الجريدة باسم (اليوم) واستمر يكتب عمودا اسبوعيا تحت عنوان (كلمات من القلب) بجريدة اليوم حتى عام 1425ه، وقد حضر مع زميله ورفيقه عبدالعزيز السنيد حفل تكريم استاذنا عبدالكريم الجهيمان والذي اقيم له ببلدته شقراء في ربيع 1422ه،, وألقى كلمة بالمناسبة ذكر شيئا من نشاطه الصحفي بالمنطقة الشرقية بصفته رائد الصحافة بها. وليس لدي ما اقوله الا ان ادعو له بالرحمة والمغفرة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وعزائي لأهله وابنائه واصدقائه ولكل محبيه «إنا لله وإنا إليه راجعون».
رفيق الفجر ولد بصرخة تعشق الحياة.. ويتعلق بأهدابها وأهدافها منذ النشأة الأولى.. ولد بحلم جميل يتقاطع في مفاصله إحساسه المبكر بالأمل تارة.. وبالألم أخرى.. شب عن الطوق.. وشاب عن الطوق ومابرحت بتاريخه تسكن دواخله بحثا عن فجر جديد يضيء له ولغيره مسالك الدرب الوعرة.. تحولت أمنياته إلى واقع عبر مواقع الحرف والكلمة.. جاد بها وأجاد متجسما صعاب الرحلة وصدماتها. لم تنكسر له ريشة.. ولم تثن له إرادة.. غاب فجره الجديد وبقي صاحب فجر متجدد حتى آخر أيام عمره.. في الستينات حيث "خبر" الخير كانت معرفتي به.. شاب متوقد يكبرني عمرا. وفكرا. وتجربة حياتية هو يتعامل مع أدبيات الحرف.. وأنا أتعامل مع ثقافة قطع السيارات حيث كنت أعمل.. وشتان بين ثقافة الإنسان وثقافة الحديد الصامت. أصدر فجره الجديد نالتني منه بعض العدوى اللذيذة.. قرأتها حركت في نفسي دوافع الغيرة والاقتراب والإعجاب.. وجدتني حيث صوته يصدح بأمنيات اليوم وطموحات الغد في عالم متغير يبحث له عن مكان تحت الشمس.. الإحساس بالاغتراب والفواصل تلاشت فصوله عرفته كما قرأته صوت يقظة جسورة.. هكذا كنت أحلم في زمن الحلم الجميل.. قال لي والدمعة الحرى تنساب على خده.. لماذا لا تصدر مجلة تملأ بعضا من فراغ؟! وكان يشير إلى "فجره الجديد" وقد توقف الإصدار ترددت كثيرا ضربت أخماسا في أسداس. عقدت الخنصر والبنصر مذهولا.. ومتسائلا داخل نفسي: أين مكاني في حرفة الحرف؟ .. لا شيء البتة وبرغبة ملحة منه ومن البعض أقدمت على خطوة لم أتوقعها.. ولم تدر بخلدي ولو للحظة واحدة.. وكانت أن صدرت الإشعاع وكان أن توقفت الإشعاع كما هي حال الفجر الجديد.. المولود أحيانا نفسه قصير.. هذا هو راحلنا الغالي " يوسف الشيخ يعقوب" الذي غادرنا إلى عالمه الآخر بعد أن ترك إرثا غاليا لا يختفي ولا يموت وهل أغلى وأغنى من أن يكون الإرث فجرا جديدا غير قابل للنسيان.. والاحتجاب؟ هذا هو.. رفيق الفجر الذي لا يطويه الظلام.. يرحمه الله.
يوسف الشيخ يعقوب وريادة التنوير إذا كنت تود النظر إلى قامة في مثل شموخ الوطن؛ فعليك أن تفتش عن قامة بمثل سمو الراحل تغمده الله برحمته. يوسف الشيخ يعقوب ليس رائداً للصحافة في منطقتنا الشرقية، ولا رائدًا من رواد التعليم فيها وحسب، لكنه أحد أعمدة التنوير في الوطن كله وهذا أصدق من وجهة نظري القاصر ما يعرَّف به الراحل. في الحقبة التي أصدر فيها الأستاذ الراحل جريدة الفجر الجديد مع أخيه الأستاذ أحمد يرحمهما الله أتذكر أن غالبيتنا نحن هواة القراءة في ذلك الزمن كنا نهرِّب الكتاب خفية عن أعين الناس، بل ونتظاهر بالجهل، على طريقة أعمى المعرة: ولما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً تجاهلْتُ حتى ظُنَّ أنّيَ جاهل وإن اختلفت الذرائع، وتباينت الأسباب. فدوافعنا ليست هي دوافع المعري لهذه النظرة، بكل تأكيد، وإنما هي دوافع أخرى تحملنا على البحث عن كيس مصمت نخبِّئ فيه الكتاب، أثناء خروجنا من المكتبة، فكأننا نلج المكتبة لشراء الخبز أو السكر. في هذه الفترة، أيضًا، كانت إحدى مهام الشرطي الذي يتولى الحراسة في الحي السعودي (Saudi Camp) في الظهران أو رحيمة أو بقيق، وغيرها، هي التنصت وإصغاء السمع بأعلى درجات الإصغاء علَّه يظفر بصوت مذياع ينبعث من إحدى الغرف بأغنيَّة أو حديث؛ كي يقتاد ذلك الزنديق المارق إلى المخفر حاملاً مذياعه برهان جريرته الناصع على رأسه؛ فيشهد تحطيم صنمه بأم عينيه، هذا إن لم يُكلَّف بتهشيم شيطانه الملعون بيده هو نفسه. ولعل البعض لايزال يذكر تلك الأغنية السرِّية التي يتسلى بها عمال شركة أرامكو، وهم يتهامسون: أريد ارحل من الظهران ما عود كمنجة ما تسليني ولا عود والباقي يعرفه من يذكر بقية الأبيات. أما الأنشودة التي كان العمال يرددونها بأعلى أصواتهم، وهم على ظهر إحدى شاحنات شركة أرامكو الضخمة، تقطع بهم الفيافي والفلوات، لا يخافون فيها لومة لائم؛ فتلك التي تقول بعض أبياته: الحمد لله الصاحب قيد (الوارة) ثلاثة أريل وربع فوق جتيها والوارة لمن لا يعرفها: هي ساعة العمل التي سجلها (الصاحب) : أي الأمريكي، والتجتي: تعريب لكلمة: (Chit)، وتعني المذكرة أو الفاتورة. هذه صورة الوضع في ذلك الزمن الذي أصدر فيه الراجل جريدة الفجر الجديد. في ذلك الوقت كانت شركة أرامكو تستغل عمالها. فالسكن في الحي السعودي أدناه العشة، والخيمة، وأعلاه غرفة جدرانها من الطوب، وسقفها من الصفيح، يتكدس فيها أكثر من عشرة أفراد، اثنان منهم فقط لهما حق السكنى؛ لأنهما منتسبان للشركة. أما الباقون فمأخوذ فيهم ثواب الله؛ فهم (كولية القنطراز ): أي عمال المقاولين، وهؤلاء لا حق لهم في السكن، نعم، كانت تلك هي الحال عندما بدأ الراحل ورفاقه أمثال عبد العزيز السنيد والبهيجان، والمنصور، والريس، وغيرهم حركة التوعية في صفوف العمال، من أجل المطالبة بحقوقهم، ما لا يحتاج إلى تنويه هو أن العنوان الذي ظهرت به الفجر الجديد واضح الدلالة على أنها جريدة توعوية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. من هنا يأتي الإعجاب والإكبار بالراحل وأقرانه من الرموز الوطنية الذين أوقدوا لنا بأصابعهم وأفئدتهم المشاعل كي ينيروا لنا الطريق في زمن حاله كما وصفت. الكلمة الأخيرة هي مجرد أسى ونعي لصحافتنا عن إعراضها المطبق عن هذا الرمز الوطني الكبير، وأقولها بصراحة مجردة : إن الإعراض يسيء لها وحدها. أما الراحل فقد أدى ما عليه تجاه أمته ووطنه وحسبه بذلك رفعة وخلوداً.
عراب الصحافة والوطنية الوالد يوسف بن الشيخ يعقوب كان رحمه الله شخصية متقدة وافرة الفكر والثقافة والإحساس الوطني عاصر وصادق أساطين الكتابة والفكر من أمثال العلامة حمد الجاسر, ابن خميس, الجهيمان, سعد البواردي, حمد القاضي, ابن شباط, عابد خزندار. وأذكر من كلام ابن خميس رحمه الله عن الوالد انه طاقة من الحماس والوطنية ومن كلام العم الأستاذ سعد البواردي أطال الله في عمره عن الوالد كان عراب الصحافة السعودية. وقد ساهم الوالد في قيادة الفكر الصحافي في بداياته سواء في تأسيس جريدة الفجر الجديد أو عبر كتاباته في الصحف والمجلات خاصة صحيفة "اليوم" التي نشرت له عددا كبيرا من المواضيع في عاموده الخاص (كلمات من القلب) كانت مواضيعه رائدة ذلك الزمان منها: أهمية الحفاظ على البيئة, أهمية استثمار السياحة والآثار في بلادنا, متى تعلن الحرب على التدخين, أهمية تكريم المعلمين والأدباء, حقوق الإنسان, المدينة الفاضلة ووعي الضمير (وهو مقال عن الفساد) حقوق المرأة وعمل المرأة كما نشرت (اليوم) له بعض الدراسات مثل: 1- تاريخ المنطقة الشرقية أو بزوغ فجر البترول, 2- عروبة الخليج. والوالد رحمه الله معروف عنه الكثير في الوسط الصحافي والثقافي السعودي ولكن كانت له نشاطات أخرى لا تقل أهمية أذكر منها: 1 إسهامه مع الشيخ عبدالعزيز بن معمر رحمهما الله في وضع الأسس لنظام مكتب العمل والعمال وما ترتب على ذلك من حفظ حقوق العمال السعوديين. 2 العمل مع صديقه أحمد البعادي في تطوير السجون وكونها بيئة للإصلاح تتضمن مكتبة وأعمالا يدوية وزيارات عائلية وغير ذلك. 3 كان من الأوائل الذين طالبوا بإنشاء مجلس الشورى. 4 كان من الأوائل الذين طالبوا بإنشاء المجالس البلدية. 5 كان من أوائل المطالبين بإنشاء هيئة حقوق الإنسان في السعودية. وختاما فقد كان الوالد رحمه الله عملاقا في إنسانيته وحبه للناس والخير والعطاء ورائدا من رواد الصحافة الفكر والثقافة في المملكة العربية السعودية. وكان يردد دائما تلك الحكمة الخالدة التي تقول: لا تلعنوا الظلام ولكن أوقدوا الشموع التي نحن أحوج ما نكون إليها في هذه الأيام. رحم الله الوالد يوسف بن الشيخ يعقوب وأدخله جنات النعيم.
إلى والدي سنوات غبت فيها عنا، كنت فيها الحاضر الغائب... حاضراً بكيانك، وغائباً بذاكرتك في عالم لم نستطع أن نتبعك فيه.... غرست فينا حب الوطن، وزرعت الكفاح من أجل قضية آمنت فيها... علمتني كيف يكون للمرأة شأن في مجتمع لا يعترف فيها، وكيف أن الشهادة سلاح في وجه كل جاهل... كنت دوماً ولا زلت الفكر النابض، والروح المتفائلة، والنبراس الحر... نستمد قوتنا من صبرك، وكفاحك، وعزمك، وحبك للوطن... ولا يزال صوتك يرن في ذاكرتي مردداً النشيد..... بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان كانت أغنية الأطلال لأم كلثوم المفضلة لديك، والآن أرى غرفتك، سريرك، لحافك، البيجاما والروب الأزرق... هل هذه هي أطلال ذكراك؟؟؟ لا وألف لا....فذكراك مختوم في الفؤاد، وفي اللسان، وفي العين... طيب الله ثراك أيها الطيب الغالي، وغسلك بالماء والبرد والثلج، ورحمة الله عليك يا والدي الحبيب.... ابنتك....رنا
سلام جدي العزيز سلام المسك و الريحان والعنبر سلام الطيب و الفل المعطر سألنا عنك ... غبت ولم تعد تظهر قالوا لن يعود إلى البر فقد أبحر أبحر و قطع مسافات , سبع سماوات أو أكثر ألم يعرف أن القلب سيشتاق و يحزن؟ ألم يدر أن لفراقه الأعين ستسهر؟ رأيته في جلال الموت لا أنقى ولا أطهر! و إذ محى الموت شكه بيقينه , سكتت همسات قلبه فإذ باللسان يصرخ "الله أكبر" فسبحان الذي أحيا سبحان الذي أقبر سبحان جامع العباد كلهم في المحشر حفيدتك: سميرة سمير يوسف الشيخ يعقوب