تُعدُّ رقابة الحسابات أحد أهم أوجه الحماية للشركات على وجه الإطلاق، نظراً لتنامي أعمال الشركات وعدم قدرة أعضاء الجمعيات العمومية على الرقابة الحقة لحماية شركاتهم، حيث ينصبّ -غالباً- جُلُّ اهتمامهم على أرباح الشركة دون غيرها من باقي الأمور بالإضافة إلى عدم توفر الخبرة المحاسبية لدى معظمهم. ومراجع الحسابات بحسب مسمى نظام الشركات الجديد أو مراقب الحسابات بحسب مسمى نظام الشركات القديم ويمكن تسميته بالمراقب المالي أو المراجع المالي أو المراجع الخارجي وإن كنت أميل إلى تسمية مراقب الحسابات؛ لكونها تعطي دلالة على سلطة أوسع وأردع وهو المسمى الذي سأسير عليه في هذا المقال خلافاً للعنوان الذي أجعله متوافقاً مع نظام الشركات الجديد. مراقب الحسابات هذا يبرز دوره بكل وضوح في حماية الشركة أثناء حياتها وذلك من خلال ممارسته للرقابة الأخلاقية والقانونية على حسابات الشركة نيابة عن الشركاء والمساهمين، حتى أَطلَق عليه البعض بأنه ضمير الشركة. ونظراً لهذا الدور المهم الذى يقوم به مراقب الحسابات في حماية الشركة، فإننا سنتناول الحديث عنه من خلال عدة محاور، وسنبدأها في هذا المقال بالحديث عن طريقة تعيينه وطريقة إنهاء مهمته. نظام الشركات السعودي لم يضع تعريفاً لمراقب الحسابات (مراجع الحسابات)، ويُمكن تعريف مراقب الحسابات بأنه الشخص (فرداً أو كياناً) الذى يَعهد إليه جماعة الشركاء بالقيام بأعمال المراقبة الداخلية على الشركة، كمراجعة وفحص حسابات الشركة وميزانيتها وحساب الأرباح والخسائر فيها، وأعمال مجلس الإدارة ومدى احترام أحكام القانون في كل ذلك، وبشكل يحقق صالح الشركة أو الشركاء والمصلحة العامة، ويقوم المراقب بمهامه القانونية والعقدية لمدة زمنية معينة ينص عليها عقد تعيينه مقابل أتعاب تقدرها الجمعية العامة للمساهمين. وفيما يخص الشروط الواجب توافرها في مراقب الحسابات فإنها متعددة، ويمكن ردها إلى نوعين: شروط متعلقة بالكفاءة المهنية وشروط متعلقة بالاستقلال والحياد. أما الطبيعة القانونية لعلاقة مراقب الحسابات بالشركة فإن شُرّاح القانون اختلفوا بشأن تكييف هذه العلاقة فذهب بعضهم إلى أنها وكالة وذهب آخرون إلى أنها علاقة عمل. ويترتب على الأخذ بالرأي الأخير عدة نتائج هامة أهمها: عدم استطاعة الجمعية العامة عزل مراقب الحسابات متى شاءت أو في أي وقت وذلك مثل حال عضو البرلمان الذي لا يستطيع الناخبون الذين أتوا به أن يقوموا بعزله، وسيأتي معنا في آخر المقال انتقاد المنظم السعودي في مسألة عزل مراقب الحسابات. ولكي يقوم مراقب الحسابات بمهام وظيفته، لا بد أن يكون قد تم تعيينه بالأداة القانونية المختصة بالتعيين وللمدة المحددة سلفاً في القانون. ووفقاً لنظام الشركات السعودي فإن الجمعية العامة العادية هي المعنية بتعيين مراقب حسابات أو أكثر من بين المراقبين المصرح لهم بالعمل في المملكة وتحديد مكافآتهم ومدة عملهم. ويكون قرارها في ذلك بأغلبية الأسهم الممثلة في الاجتماع. وإذا كان هذا هو الطريق العام للتعيين، فإن هناك طرقاً أخرى استثنائية وهو ما يمكن تسميته (الاختصاص الاستثنائي في تعيين مراقب الحسابات) وذلك عن طريق التعيين في عقد الشركة أو التعيين بواسطة الجمعية التأسيسية أو التعيين بواسطة مجلس الإدارة وهو الذي نص المنظم السعودي على عدم جوازه من خلال منع الجمعية العامة أن تفوّض مجلس الإدارة في تعيين مراقب الحسابات، وقد أحسن في ذلك إذ أنه ليس من المعقول أن يمارس مراقب الحسابات مهام وظيفته وهو يشعر بأنّ في يد هذا المجلس إنهاء مدته وعدم تجديدها في نهايتها. ولكن- وللأسف- قد دلت التجربة في شركات المساهمة على أن أعضاء مجلس الإدارة هم الذين يقومون عملياً بتعيين المراقبين، نظراً لضعف الجمعية العامة ولاعتمادها تعيين الذين يرشحهم مجلس الإدارة، كما أننا في واقع الأمر نجد أن تعامل مجلس الادارة وكذلك الإدارة التنفيذية مع مراقب الحسابات (المراجع الخارجي) أشبه بالموظف لديهم، حيث يوجّهونه عند إثارته لتساؤلات بأنْ دع هذا وركّز على هذا وسنُجيبك عن ذاك فقط، وهو يستجيب دون معارضة، حرصاً منه على ترشيحه من قبلهم مرة أخرى في اجتماع الجمعية العامة القادم لعلمه بمصادقة المساهمين الفورية على ترشيحات مجلس الإدارة. ولذلك تلجأ بعض التشريعات إلى طريقة التعيين بواسطة القضاء حيث تجعل المراقبين أو أحدهم على الأقل من اختصاص القضاء، وقد أخذ بهذه الطريقة القانون اللبناني. وفي وجهة نظري أن التعيين بواسطة القضاء له محاسن عديدة يستحق أن يضعه النظام السعودي في الحسبان ويهيّئه ليكون في حيّز التنفيذ. أما بخصوص انتهاء مهمة مراقب الحسابات فقد يكون الانتهاء بشكل طبيعي من خلال انتهاء المدة المقررة له في قرار تعيينه. وقد يكون الانتهاء قبل الميعاد المقرر قانوناً لنهاية هذه المهمة، وذلك لأسباب قد ترجع إلى المراقب نفسه كالاستقالة أو الوفاة أو تكون عزلاً من الجمعية العامة. وبخصوص العزل نجد أن المنظم السعودي اختار تسهيل وتيسير عزل المراقب، حيث لم يشترط الشروط اللازمة لضبط ذلك، وانما سمح للجمعية العامة بعزل المراقب كيف ومتى شاءت، وجعل في المقابل للمراقب الذي عُزل-إذا كان العزل في وقت غير لائق أو لغير مبرر مقبول- الحق في الحصول على تعويض. وهذا في وجهة نظري غير صائب لأن فيه إضعافاً لمركز مراقب الحسابات أمام مجلس الإدارة وتعريضاً له للعزل الكيدي المدبّر من قِبَلهم في حال تنازعه معهم. لذا فإن المفترض أنه لا يجوز عزل المراقب إلا بموجب أسباب مقبولة تبرر العزل، ويترتب على ذلك نتيجةً مفادها أن للمراقب -الذي تقرر الجمعية العامة عزله- الحق في اللجوء الى القضاء بإعادته، حيث إن ذلك هو الضمان الحقيقي لاستقلال مراقب الحسابات حتى في مواجهة المساهمين.