بعد أن أبقى الرئيس الأمريكي كل المهتمين بشؤون التغيرات المناخية ومن بينهم زعماء 194 من الموقعين على اتفاقية باريس على أعصابهم لمدة أسبوع، أعلن مساء الخميس الماضي انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من هذه الاتفاقية، وسط ذهول الجميع. صحيح أن الرئيس الأمريكي وعد أثناء حملته الانتخابية بالخروج من الاتفاقية الموقعة من سلفه باراك أوباما، بدعاوى أنها مضرة بالاقتصاد الأمريكي، فضلا على أنها بمثابة «خدعة ليس لها سند علمي» على حد تعبيره. لكن العديد من المراقبين، ومن بينهم بعض القادة الجمهوريين كانوا يقللون من جدية الخروج ويتحدثون عن إمكانية إعادة النظر في نسب التخفيض المقرة في الاتفاقية. وفي سياق الجدل الدائر، جاء مؤتمر الدول السبع العظمى في منتجع تاورمينا في صقلية بإيطاليا لتزداد احتمالات الخروج الأمريكي، بل وصل الأمر ببعض زعماء أوروبا إلى الإعلان صراحة عن ردود أفعال واضحة وبدائل وبخاصة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرغم من المهلة التي منحها الرئيس ترامب لنفسه لإعلان موقفه النهائي والذي جاء مساء الخميس الماضي. الآن، وقد حدث ما حدث، يمكن القول إن تداعيات هذا الخروج الأمريكي على اتفاقية باريس للتغير المناخي لن تقتصر على ما تقتضيه من استحقاقات على الدول الموقعة للحد من الانبعاث الحراري بكل مكونات أسبابه، بل ستمتد التداعيات إلى كل مناحي العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية بين الدول وبخاصة ذات النفوذ على مستوى العالم. وفي سياق ذلك، يأتي تأكيد كل الدول وبشكل لافت الصينوروسيا واليابان وبريطانيا. هذا يعني أن هذا الإشكال سيكون حاضرا في معظم اللقاءات الثنائية والمؤتمرات الدولية، ولن تكون النتائج كما كانت في الغالب لمصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية على الأقل على المستوى القريب والمتوسط. صحيح أن ثمة دولا كالصين - الأولى في جدول الانبعاث الحراري والتلوث- وروسيا وبعض الدول النامية قد «تستفيد» ولا تلتزم بصرامة. في روسيا مثلا، وقبل إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من اتفاقية المناخ بيوم، أعلن الكرملين أن لا معنى لاتفاق باريس المناخي إذا لم تلتزم الدول الرئيسية الموقعة عليه. لكن الحكومة الروسية أعلنت لاحقا عن دعمها والتزامها باتفاقية باريس. وإذا كانت العلاقات «الغربية» وتحديدا العلاقات الأوروبية - الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام مهددة بشكل جدي وبخاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن هذه العلاقات قد تستمر كذلك بغض النظر عن هذه الزوبعة، فإن الشرخ بين ضفتي الأطلسي مرشح للاتساع. ردود الفعل الأوروبية ترتفع من الخصومة إلى وجود «معركة» تخلت أمريكا عن دورها المفترض فيها، وحان الوقت لتأخذ أوروبا دور القيادة فيها، وضد من؟ ذلك ما كرست صحيفة اللوموند الفرنسية - أكثر الصحف الفرنسية رزانة- في افتتاحيتها النارية ضد «أمريكا ترامب» غداة إعلان الانسحاب الأمريكي. لأول مرة، وعلى غير عادتها، سواء في العنوان أو في النص، لا مجال لعدم الاعتراف بضرورة بديل- زعامة- للقرن الحادي والعشرين غير زعامة أمريكا. (بانسحابها من اتفاقية باريس، تهرب أمريكا ترامب من معركة التغيير المناخي. القرن الواحد والعشرون لن يكون أمريكيا كما كان القرن العشرون. العالم اليوم يمر بمسلسل غير مسبوق حول أخطر ما يهدد كوكبنا وأمريكا تتخلى عن دورها «القيادي» ولن تكون نموذجا ولا قدوة) تقول اللوموند. الأيام التي كانت تعتمد فيها أوروبا على الأمريكيين ولت وعلى الأوروبيين الإمساك بأمورهم بأيديهم. يقول الصحفي الأمريكي توماس فردمان.