المعروف للعالم أن الديمقراطيين (حزب أوباما) يقفون في الجهة المعاكسة تماما للجهة التي يقف فيها الجمهوريون (حزب ترامب) من اتفاقية المناخ، فالديمقراطيون يؤيدون مبدئيا اتفاقية المناخ وبروتوكولاتها وتفويضاتها التي تسن المواد والقواعد الملزمة للدول الأعضاء بأن يلتزموا بتخفيض نسبة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وفق جداول زمنية محددة، بينما الجمهوريون يعارضون الالتزام باتفاقيات المناخ ويصرون أن تكون قراراتها طوعية غير ملزمة للأعضاء. تأييد بعض المسؤولين الديمقراطيين لاتفاقية المناخ وصل إلى حد التطرف كما هو معروف عن مواقف الناشط البيئي الديمقراطي آل قور (نائب الرئيس كلنتون) لاسيما بعد الضجة التي أحدثتها حملته تحت شعار توعية الشعب الأميركي بأضرار الاحتباس الحراري الناتج من الوقود الإحفوري (الفحم، والبترول، والغاز) وإصداره الفيلم الوثائقي المُرعب An Inconvenient Truth الذي حاز على الأوسكار عام 2006 وفي العام الذي يليه حاز آل قور على جائزة نوبل عام 2007 لنشاطه المؤيد للمناخ. لقد حرصت إدارة الرئيس أوباما الديمقراطية على أن تُصحّح صورة أميركا لدى العالم التي رسمتها سياسة الجمهوريين في عهد إدارة الرئيس بوش التي رفضت التصديق على بروتوكول كيوتو أو أي اتفاق ملزم. ثم الصدمة المفزعة التي أحدثها تشكيك بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين في تقارير اللجنة العلمية للمناخ IPCC مما أعطى انطباعا لدى الرأي العام العالمي بأن أميركا أكبر ملوث للمناخ ترفض أن تتعاون مع دول العالم الأخرى في إنقاذ أمنا (كما يسميها أنصار البيئة) الأرض؛ حيث توّج أوباما جهوده مؤخرا بأن وافقت أميركا فجأة (بعكس ما كان متوقعا) على اتفاقية باريس للمناخ. الآن تعود كرة المناخ إلى ملعب الجمهوريين برئاسة الرئيس الجمهوري الجديد ترامب الذي يقول بالفم المليان بأن الادعاء بأن سخونة الأرض من عمل الإنسان هو: a hoax (أكذوبة). لكن الغريب الآن أن آل قور نفسه كما نقلت عنه صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 10 نوفمبر 2016 هو الذي يمد غصن الزيتون فيطلب من ترامب أن يعطيه وظيفة للعمل في إدارته تحت ستار التعاون معه في قضايا المناخ تماما كما فعلت من قبله هيلاري كلنتون بأبداء استعدادها للعمل في إدارة ترامب. ثم تقول الصحيفة لكن ترامب يبدو أنه في غير عجلة من أمر نفسه لأن يتعاون مع آل قور لتبني سياسات بيئية لا تتفق مع المبادئ التي ينتهجها الجمهوريون فهو لن يغيّر سياسته تجاه اتفاقيات المناخ التي يرى بأن اندفاع إدارة الرئيس أوباما نحو الموافقة على اتفاقية باريس للمناخ هي مدمرة للاقتصاد الأميركي وبأن ترامب ربما قد ينسحب من الاتفاقية فيصبح انسحاب أميركا بمثابة طن الحديد الذي يقصم ظهر بعير اتفاقية باريس؛ لأنها ستكون سابقة يتلوها انسحاب الصين وهما (أميركا والصين) أكبر الملوثين للمناخ. الخلاصة: لو تم فعلا تعطيل اتفاقية باريس للمناخ من قبل إدارة ترامب ستكون الصدمة قاسية على الدول الأوروبية التي كانت منذ تفويض برلين عام 1995 ثم بروتوكول كيوتو عام 1997 (شاركت أنا شخصيا في حضور الاجتماعين) تحاول اقناع أميركا ولكن لم تستطيع أن تجعلها توافق على التوقيع إلا بعد جهد جهيد مؤخرا على اتفاقية باريس؛ حيث وافق أوباما لأول مرة أن تنضم أميركا رسميا إلى اتفاقية ملزمة للمناخ بعد أن كانت أميركا الدولة الوحيدة في العالم التي لم تنضم لبروتوكول كيوتو. أما بالنسبة للمملكة فقد كانت دائما من أوائل الدول التي توقع على جميع بروتوكولات وتفويضات اتفاقية المناخ رغم الانطباع لدى الرأي العام بأن المملكة تعارض الاتفاقية. لكن مؤخرا أحسنت كل من أرامكو ومصلحة الأرصاد صنعا بتحسين هذه الصورة الخاطئة عن المملكة بتعاونهما الملحوظ مع الجهود العالمية التي تبذلها دول العالم المتقدم في مكافحة الإضرار البيئية التي تنشأ من نشاط الإنسان منها تخصيص أرامكو 100 مليون دولار للمناخ. وختاما أتمنى أن تستضيف المملكة مؤتمر الأطراف (COP-25) عام 2019.