لم يكن محمد بن عبدالرزاق القشعمي مجرد رقم في عددية ثقافتنا الوطنية، ولا هو مجرد اسم لمؤرخ وكاتب وأديب سعودي وحسب، وإنما هو بحق أيقونة ثقافة هذا البلد، وعرابها، وناظم فسيفسائها الذي يجمع بين كافة أقطابها من أقصى التقليدية إلى أقصى الحداثة، ومن أبعد الشيوخ إلى أدنى الشباب، ومن الأدب إلى التاريخ، ومن التاريخ إلى الصحافة، ومن الصحافة إلى الثقافة بعمومها، إنه المثقف الذي تجاوز كل الأطر والتصنيفات بكل أشكالها وألوانها وخطوط تماسها ليتواصل مع الفكر والثقافة بكل تجرداتها، بعيدا عن أي اعتبار، فلم يعد من الممكن أن تجد تصنيفا يتسع لاسمه الحاضر مع الجميع، لأنه اختار أن يكون المثقف المنفتح على كافة التيارات، والتوجهات؛ لإيمانه بأن هذا هو دور الثقافة في تدعيم جسور التواصل والحوار، ففي الوقت الذي تتنوع فيه علاقاته ونشاطاته في العاصمة حيث يقيم، لا بد أن ثمة نشاطات وعلاقات ستأخذه بعدها على الفور إلى الغربية، والجنوبية، إلى القصيم وحائل، والقطيف وسيهات، والشمال، حتى أنك لا تعرف بأي وعاء يحمل هذا الرجل تلون وتعدد صداقاته، والتي قد تبدو كالجمع بين الشتيتين، لكنها خاصية «أبي يعرب» المثقف الوطني، ومؤرخ الصحافة الذي أتم مسيرة الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وأضاف إليها باقتفاء أثر الصحافيين السعوديين في بغداد والقاهرة وغيرهما. أكثر ما يستهويني في محمد القشعمي، بعيدا عن الكاتب، والأديب والمؤرخ، هو طريقة إدارة هذا الرجل لعلاقاته الثقافية الضخمة، وطريقة توظيفه لها لمد الجسور بين كل ألوان الطيف الثقافي، ووفاؤه للرموز ابتداء من أستاذه الجهيمان إلى عبدالله عبدالجبار وغيرهما. هذا الرجل لا يبكي أوجاع أحبته، وإنما يذهب إليهم ليشاطرهم إياها في منظومة وفاء قل أن يُعثر عليها عند سواه، وإذا ما كان أبو يعرب قد تخصص في تقليص المسافات ما بين مثقفي الوطن، وعقد أواصر الصداقة فيما بينهم، موظفا لذلك ذاكرته الموسوعية، وقدرته على ترقية المشتركات، فإن اتساع صداقاته على امتداد الوطن العربي من بغداد إلى دمشق إلى بيروت وعمان والقاهرة والخرطوم وصنعاء والمغرب العربي، يجعل منه المثقف العروبي الحق الذي حول الثقافة إلى مفوضية جامعة فوق العادة. نسأل الله -القدير- الشفاء كل الشفاء لأيقونة الثقافة الوطنية وعرابها.