لا أعرف أحداً اهتم بتاريخ الصحافة السعودية وتوثيقه عبر عدد من الإصدارات الاستقصائية قبل الأستاذ محمد القشعمي ، فالرجل اقتفى أثر البدايات الأولى منذ ستينيات القرن الماضي .. سواء صحافة الداخل أو تلك التي نشأت لسبب أو لآخر في الخارج من بغداد إلى القاهرة مرورا ببيروت .. لينقل لنا تجربة سليمان الدخيل ، وآل السباعي وآل نصيف والشيخ حمد الجاسر وغيرهم ، وليضع بين أيدينا إلى جانب دراسة واقع تلك الصحافة نماذج حية منها كأول صحافة تنشأ في الإقليم ، وليقطع الطريق على تلك المزاعم التي منحت هذه الأولوية للأشقاء في اليمن ، غير أن الأهم في هذا التوثيق لتاريخ الصحافة السعودية هو أن الأستاذ القشعمي .. لم يكتف باستعراض تاريخ تلك الصحافة وروادها كالشيخ عبدالكريم الجهيمان والشيخ حمد الجاسر والشيخ عبدالله بن خميس والشيخ محمد صالح نصيف والأستاذ عبدالوهاب آشي والأستاذ سعد البواردي والأخوين حافظ وسواهم ، وإنما قرأ ملامح الرقابة في ذلك الوقت في بعض كتبه ، كما استعرض الكنى والألقاب التي كان يوقع بها بعض الصحافيين أعمالهم ، بمعنى أنه وضع بين أيدينا إطارا كاملا للمشهد الصحفي والإعلامي في ذلك الوقت ، وهو ما يؤسس لأي باحث أو دارس لتطور الصحافة السعودية عبر تاريخها .. أن يستند إلى حقائق تاريخية موثقة يمكن الاعتماد عليها لانجاز رؤية موضوعية . وإذا كان الإنصاف يقتضي أن نشيد بالجهد الكبير الذي بذله الأستاذ محمد القشعمي كأول مؤرخ للصحافة السعودية .. فإن السؤال الذي لابد منه هو : أين تقف كليات الإعلام في جامعاتنا الوطنية من هذا الدور المهم ، وكيف يتسنى لهذه الكليات تخريج صحافيين لا يعرفون شيئا عن تاريخ صحافتهم الوطنية ؟ ، ثم لماذا لم تدخل هذه الإصدارات ولو كثقافة عامة في أقسام الإعلام ؟ . أنا لا أنتظر إجابة عن هذه التساؤلات ، لأننا اعتدنا للأسف على المبادرات الفردية حتى فيما يفترض أنه جزء من عمل المؤسسات ، هذه ملاحظة عامة لا تبدأ وتنتهي عند تاريخ الصحافة ، وإنما تمتد حتى إلى تاريخ الجامعات ذاتها ، وتاريخ العمل التطوعي وغيره وغيره ؛ ارتبط التاريخ بالتاريخ السياسي فقط أما التاريخ الاجتماعي الذي يمثل ركيزة أساسية في فهم حركة المجتمع ، ومدى التغير أو التطور الاجتماعي ، والذي يمكن أن تنبني عليه الدراسات الاجتماعية ، وقراءة المزاج العام ، وحجم تفاعل المجتمعات مع المتغيرات الجديدة .. فلا تزال مجرد نتف متفرقة تشبه لعبة البحث عن الكلمة الضائعة في بعض الدراسات والكتب ذات الصفة الأكاديمية ، لذلك ما لم نتنبه إلى أهمية التاريخ الاجتماعي أو ما يسمى بالتاريخ التحتي ، الذي يجب أن تتصدى له الجامعات ووزارة الثقافة كبند رئيس في بلورة خطط التنمية .. فلن نصل إلى رؤية تتطابق مع واقعنا وطريقة تفكيرنا ، وستتحول تلك الخطط ، على أهميتها ، إلى ما يشبه الملابس الجاهزة التي قد لا نكتشف أنها لا تلائم أجسادنا إلا بعد ارتدائها..