كانت قمة الجماعة الأوروبية (الاتحاد الاوروبي لاحقا) التي انعقدت في باريس عام 1974، اول قمة تعقد بعد انضمام بريطانيا الى السوق الاوروبية المشتركة، والتي على اساسها اصبحت اجتماعات قمة الجماعة منتظمة، وتحولت الى جهاز اعلى لصنع السياسات. فقد كانت قبل هذا التاريخ اجتماعات غير منتظمة وغير فعالة. فقد سهل انضمام بريطانيا الى الاتحاد في اتجاه تقنين دورية انعقادها. ويعتبر المجلس الاوروبي المكون من رؤساء دول وحكومات الدول الاعضاء في الاتحاد اعلى مستويات صنع القرار. يوم السبت الماضي (29 ابريل) في بروكسل، عقدت اول قمة اوروبية دون بريطانيا، قمة استثنائية لبحث ترتيبات خروجها من الاتحاد، وذلك بعد شهر على إبلاغ لندن الاتحاد الأوروبي رسميا بعزمها الخروج من الاتحاد وبعد عشرة أشهر على الاستفتاء البريطاني الذي تم في 23 يونيو 2016. تبنى القادة في هذه القمة بالإجماع الخطوط العريضة لمفاوضات الخروج البريطاني والتي تتضمن ثلاثة مواضيع رئيسية وهي حقوق المواطنين، والفاتورة المترتبة على بريطانيا والمسألة الايرلندية. فالأمر الاهم والجوهري الذي يقلق القادة الأوروبيين هو مسألة مصير ثلاثة ملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يقيمون على أراضي بريطانيا حاليا ويتم التعامل معهم حتى الآن على أنهم مواطنون، وكذلك قرابة التسعمائة ألف بريطاني الذين يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي. وقد عبر عن هذا القلق دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي في المؤتمر الصحفي الختامي للقمة قائلا: «نريد ضمانا حقيقيا لأهلنا الذين يعيشون في المملكة المتحدة، لأولئك الذين يعملون ويدرسون ونريد نفس الأمر للبريطانيين». واضاف توسك: «ان المفوضية الأوروبية حضرت لائحة من الحقوق والفوائد التي نريد ضمانها للذين سيتأثرون بالبريكسيت. ما إن يضمن المسؤولون البريطانيون مواطنينا سنجد حلا بسرعة». الامر الثاني والذي يعتبر مسألة مهمة كذلك هو الاتفاق على موضوع الفاتورة التي يجب على لندن تسديدها لبروكسل، فاتورة خروجها من منطقة اليورو، وهي قيمة الالتزامات التي تعهدت بها بريطانيا على صعيد المساهمة في ميزانية الاتحاد الاوروبي والتي تصل بحسب عدة مصادر أوروبية إلى 60 مليار يورو. وفي تصريح قبل القمة قال دونالد توسك قبل مناقشة المستقبل علينا فرز ماضينا. سنتعامل مع الأمر بنزاهة. إنها الطريقة الوحيدة للمضي قدما «في إشارة واضحة وصريحة إلى الالتزامات المالية التي يجب على بريطانيا دفعها. المتحدث باسم المفوضية مارغاريتيس شيناس يحاول تبسيط المسألة بقوله: «|كأننا نذهب مع 27 صديقا إلى حانة، ونطلب مشروبات للجميع ولا يمكننا المغادرة إذا كان الحفل في أوجه. يجب أولا دفع مبلغ المشروبات التي تم طلبها». الامر الثالث هو المسألة الايرلندية، فخروج بريطانيا يمثل التحدي الاقتصادي والاجتماعي الأكبر لإيرلندا. فهناك التجارة الثنائية، التي تصل إلى 1.2 مليار يورو أسبوعيا عبر البحر الأيرلندي. وكذلك موضوع منطقة السفر المشتركة وازالة الحدود. ومسألة الحدود لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب وانما هناك جانب يتعلق بالسلم الاجتماعي، فدبلن تخشى ان عودة الحدود ربما يستثير استعداء السكان الذين يعيشون على الحدود، ويمكن لهذا ان يعيد الصراع الذي مزق أيرلندا الشمالية لمدة 30 عاما حتى أواخر التسعينيات. واخيرا بعد اكثر من اربعين سنة من العمل ضمن الاتحاد، اعتقد ان خروج بريطانيا من الاتحاد لن يكون سهلا ومدة سنتين للمفاوضات لن تكون كافية. فجرينلاند وهي بلد عضو في مملكة الدنمارك بعدد سكان 60 الفا والصناعة الوحيدة لديها هي صناعة السمك، قررت الخروج من الاتحاد في عام 1983، وأخذ منها هذا الامر ثلاث سنوات من التفاوض. بالمقارنة مع بريطانيا، والتي تعتبر اكبر اقتصاد في اوروبا بعدد سكان 60 مليونا ولديهم اكثر من صناعة السمك للتفاوض عليه. وبالتالي عملية التفاوض كما قلت لن تكون سهلة وستأخذ وقتا طويلا للانتهاء منها.