منذ أن انضمت بريطانيا الى الاتحاد الأوروبي والعلاقة البريطانية الأوروبية تتسم بالتأرجح بين الرفض والاحتجاج وبين القبول على مضض وربما تجاهل الاتحاد في بعض المواقف ،وأصرت بريطانيا على الاحتفاظ بمظاهر استقلالها وتفردها وتاريخها العتيد فلم تقبل باليورو عملة بديلة عن الجنيه الإسترليني العجوز ولم تنخرط ضمن نطاق مجموعة شنجن الحدودية، وبين آنٍ وآخر تتفجر صيحات الغضب في لندن محتجة على الأنظمة والقوانين التي يسنها في المفوضية الأوروبية في بروكسل باسم الاتحاد الاوروبي قادةٌ وساسة غير منتخبين أو تطالب بتخفيض حصة بريطانيا في ميزانية الاتحاد والحد من صرف الإعانات التي يستفيد منها الفلاحون في فرنسا أو بذل الاموال الطائلة لإنقاذ الاقتصاد الاضعف في اليونان تارة وإيطاليا تارة أخرى وغيرهما، وكلنا نتذكر صيحة رئيسة الوزراء السابقة مارجريت ثاتشر التي سعت الى إعادة التفاوض على نصيب بريطانيا في ميزانية الاتحاد تحت شعار «اعيدوا إليَّ نقودي». بعد أسابيع قليلة يتوجه البريطانيون الى صناديق الاقتراع للتصويت على ما أصبح يعرف بالبريكسيت brexit أي بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الاوروبي وفقاً للشروط التي تفاوض عليها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وكان من بينها تخفيض مساهمة بريطانيا مرة أخرى في ميزانية الاتحاد أو الخروج من الاتحاد، لم تكن بريطانيا يوما ما مرتاحة لفكرة الاندماج الأوروبي، وفي حين نظرت ألمانياوفرنسا الى الاتحاد باعتباره المجال الذي تمارس فيه هاتان القوتان الكبيرتان قيادتهما ونفوذهما في القارة الأوروبية نظرت بريطانيا دائماً نحو حلفها الانجلوساكسوني مع الولاياتالمتحدة والى مجال نفوذها التقليدي ضمن مجموعة الكومنولث التي تضم في عضويتها دولاً مثل كندا وأستراليا تعتبرهما لندن أقرب إليها من لاتفيا أو كرواتيا أو حتى البرتغال. هل يتحقق الخروج البريطاني الصعب؟ لا أظن ذلك فالبريطانيون يدركون أنهم بدون أوروبا يصبحون جزيرة صغيرة معزولة ليس لها ذات النفوذ والتأثير الدولي الذي كان للإمبراطورية العظمى، كما أن الشركاء المحتملين مثل الولاياتالمتحدة وغيرها قد أعلنوا صراحة أنهم ليسوا على استعداد لاستقبال بريطانيا بالأحضان إذا انسلخت عن أوروبا وأن لهم أولوياتهم الذاتية وعلى رأسها الانفتاح على آسيا وحوض المحيط الهادي كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد سوف يعيد إلى الواجهة مسألة انفصال سكوتلندا وربما انضمامها الى الاتحاد. ولكن من يعرف، فحجم التأييد للبقاء أو الانسحاب متقارب للغاية ومعظم البنوك والمؤسسات المالية والتجارية بدأت في وضع خططها الطارئة لليوم التالي فيما لو فاجأ البريطانيون العالم وأصروا على إعادة عقارب الساعة في أوروبا الى الوراء. [email protected]