فقد شارع المدير وسط مدينة الهفوفبالأحساء أو شارع الاسطوانات- كما كان يسمي ولا يزال- هويته الثقافية والفنية وأهميته الاجتماعية أيضا، وتحول من شارع صاخب بالموسيقى والفن والحرف المهنية التي يغلب عليها طابع الإبداع، إلى شارع عادي هادئ، لم تعد نكهة العهد الماضي تفوح من محلاته وزواياه التي لم تعشها الأجيال الحالية، ولم يتعرف عليها بعد جيل اليوم، حيث لم يدر بخلد اهالي الاحساء عموما ورواده في زمن الطيبين، أن يخلد هذا الشارع الى الهدوء والسكينة بعد ان كان يضج بأصوات الموسيقى والطرب في خمسينيات القرن الماضي. وعلي من يتذكر هذا الشارع أن يلمس أنه لم يتبق هناك شاهد على ولادة الفن والفنانين في شارع الإسطوانات إلا محل واحد لبيع الآلات الموسيقية بعد أن كانت جنبات هذا الشارع تملأ الأحساء بالفن الجميل وأدواته. عالم مبهر علي بن عبدالرحمن الغوينم، مدير جمعية الثقافة والفنون بالأحساء الكاتب والمهتم بالتراث الشعبي والذي عرف تجلي هذا الشارع، يشير إلى انحسار التأثير المركزي والقيمة التجارية والفنية لهذا الشارع الآن، حيث تحولت محلات الموسيقى إلى مخازن أو متاجر صغيرة بعدما كان الشارع يعج بالفن والحياة والحيوية، ويأتي تحول تلك الأنشطة الفنية إلى محلات تجارية بتأثير التطور التكنولوجي، ودعا الغوينم إلى ضرورة الالتفات إلى هذا الشارع الشامخ بكل معطياته وتجلياته السابقة. تاريخ متنوع ويطالب الغوينم بأن يعيد الجميع ذكريات وأهمية هذا الشارع التاريخي الذي يحمل بين جناحيه تاريخ الأحساء الموسيقي والفني والحرف الفنية التي لا تقل ابداعا عن الفن الغنائي، وذلك من خلال رحلة تكشف ملامح هذا الشارع وأسراره، مؤكدا على أن أنه شارع ليس كالشوارع الأخرى، فهو يشكل عصب وشريان الأحساء الحقيقي، وملتقى يومي لجميع الناس. فشارع المدير هوية ثقافية حضارية زاخرة بكل المعاني والإبداعات والتفاعل الاجتماعي، ولن نجد بديلا عنه أو شبيها له مهما حاولنا مقارنته بالشوارع الأخرى التي توازيه، فشارع «الحداديد» الممتد بموازاته، يسمع آذاننا طرق الحديد، ونتلمس منه شرر النار وحمرتها، بينما شارع الإسطوانات نستمتع بأصوات الموسيقى والطرب الشعبي اضافة الي مقرات حكومية مهمة في ذلك الوقت. ولمن لم يعرف أو لم يسمع من أبناء هذا الزمن عن شارع المدير أو شارع الإسطوانات الشهير يقول الغوينم: إنه يعتبر قلب مدينة الهفوف العريقة النابض منذ الخمسينيات وقبل ذلك من القرن الماضي حيث استمر نبضه طويلا على أنغام الموسيقى والطرب الشعبي الأصيل، إلى جانب تواجد الحرف المهنية الفنية الأخرى، يتسم هذا الشارع بالحيوية والأهمية الفنية والمهنية والحرفية والاقتصادية في ذلك الزمن، شارع جمع أطياف المجتمع معا على مختلف النقائض والتباينات.. تاريخ متنوع روته المشاهد اليومية الحيوية التي رسمتها شخوص ذلك الزمن بكل معطياته وتجلياته، والتي خلقت ارتباطا شعبيا بهذا الشارع وحققت شهرة واسعة له داخل المحافظة وخارجها، مشيرا إلى أن هذا الشارع ضعف لكنه لن يموت، فما تزال الذكريات الرائعة والحنين إلى الماضي قويا حيا. سر التسمية وعن سر تسمية الشارع بشارع المدير، نسب الغوينم التسمية إلى مدير شرطة الأحساء في ذلك الوقت سالم شوقي، هذا الرجل كان محبوبا ويتمتع بخفة الظل، وذا شخصية متسامحة وكان يسكن في هذا الشارع، فاشتهر هذا الشارع باسم المدير، لكن لا ينحصر اسم الشارع في هذا المسمى، بل هناك اسم آخر هو «شارع الإسطوانات» وهذا هو بيت القصيد هنا، والمقصود من الإسطوانات هي إسطوانات البيكب التي كانت تٌسجل عليها الأغاني عادة قبل ظهور الأشرطة، وكانت في البداية تسجل على ما يسمى إسطوانات القار، قبل أن تتطور تقنية الإسطوانات ليصل تسجيل أغاني الزمن الماضي الجميل على إسطوانات بلاستيكية، كما أن التسمية الأخيرة لهذا الشارع الحيوي جاءت لكثرة محلات بيع الإسطوانات، ومحلات التسجيلات الغنائية إلى جانب وجود العديد من المؤسسات التجارية الفنية، التي كانت تمثل شركات الإسطوانات والتي من بينها، هجرفون، والأحساء فون، إضافة إلى الشركات الفنية الأخرى، حيث كانت هذه الشركات قبلة الفنانين يتهادون اليها من داخل الأحساء وخارجها، لكتابة عقود الأعمال لتسجيل الأغاني وتسويقها، وكان يحضر إلى الأحساء فنانون من مناطق المملكة لذا كان يتمتع شارع الإسطوانات بشهرة كبيرة في هذا المجال. الثقافة الشعبية هذا الشارع المتفرد في عصره، حسب ما وصفه الغوينم، يعدّ منبرا للثقافة الفنية الشعبية، ويعكس الحياة الاجتماعية والحضارية والثقافية الأحسائية، ممثلة بالكثير من محلات التسجيلات الفنية واسطوانات الأغاني، وتواجد مجموعة المحلات الفنية المتخصصة التي تتزاحم على طول الشارع حتى نهايته هذه المواقع لم تصنع فقط هوية الشارع الفنية بل أيضا رسمت هويته الاجتماعية، بتواجد الحرف المهنية وبعض المواقع الحكومية. وطالب الغوينم ثانية أن يتم بعث وإحياء ذكرى هذا الشارع الشعبي من خلال ادراجه كفعالية ضمن الاحتفالات والمهرجانات التي تشهدها وتنشط بها المحافظة وما أكثرها، كأحد أهم الشوارع الفنية التي توثق لتاريخ فني للأحساء، والتركيز على المهن التي يتضمنها الشارع الذي يحوي مهنا فنية مغايرة عن الشارع الموازي له شارع «الحداديد»، وهو يمتد من الشرق إلى الغرب وأكرر هنا انك اذا دخلت شارع الحدادين تسمع طرق الحديد وضجيجها، بينما في شارع المدير أو الإسطوانات تستمتع بسماع أصوات الموسيقى والأعمال الفنية الأخرى الموجودة على دفتيه، بالفعل شارع حيوي تاريخ فني كبير ومهم للأحساء كونه يجمع بين الموسيقى والفن في تناغم منسجم مع فنون الحرف والمهن الأخرى التي تجاور محلات الموسيقى. شارع فني ويلفت الغوينم الي أنه ومذ دخولك هذا الشارع من بداية سوق الخميس، إلى أن تخرج إلى المالية وأنت قادم من الشرق إلى الغرب، لابد وأن تسمع الموسيقى والأغاني بصخب، حيث المحلات الفنية تحاول لفت الانتباه إلى الإسطوانات التي تبيعها والتي تلاقي اقبالا شديدا من قبل رواد الشارع، ولم تتوقف الدعاية عند ذلك، بل يعمد أصحاب المحلات إلى عرض جديد محلاتهم، من خلال الفاترينة التي تعلق فيها تلك الإسطوانات على الواجهات الزجاجية ليشاهد الناس إسطوانات الفنانين وانتاجهم الفني الجديد، وفي ذلك دعاية لشراء الإسطوانات. ولم تنحصرالمحلات في هذا الشارع على محلات الإسطوانات والتسجيلات الفنية، بل تضمن الكثير من الحرف والمهن الفنية التي اشتهرت بها هجر في القرن الماضي، من بينها التصوير الفوتوغرافي عندما كان بالأبيض والأسود، وأول من فتح محلا للتصوير الفوتوغرافي في هذا الشارع هو المصور جاسم، وكذلك الغدير، شارع المدير هو شارع فني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وتغلبت الموسيقى على الفنون والمهن الأخرى، المتواجدة والتي من بينها، التصوير، ومهنة النجارة، إلى جانب فنون صناعة القطن، والمخدات، وغيرها من الفنون الأخرى التي يضمها هذا الشارع بين جناحيه. شارع شهير ما زاد من أهمية موقع شارع المدير، مجاورته للعديد من الأماكن المهمة جدا في حياة أهالي الأحساء، حيث الشارع يجاور المالية التي تتواجد في الطرف الغربي منه، وكذلك سوق القيصرية من ناحية الشمال، وكذلك الحميدية وهو مركز للشرطة، أيضا بالقرب من هذا الشارع الإمارة، التي كانت تسمى في ذلك الزمن، بيت «السراي، وكذلك بلدية الأحساء، اذ ان هذا الشارع يقع في منتصف مدينة الهفوف في المركز الحيوي والتجاري والحكومي، تلك المنطقة التي تشهد تواجدا مكثفا بشكل يومي فهو شارع شهير وصلت شهرته إلى خارج الأحساء، نعم إنه شارع الفن بكل صنوفه خصوصا فنون الموسيقى، إلى جانب المحلات التجارية الأخرى، مثل: الحجامة، وخلع الأسنان، وبعض محلات الطب الشعبي، وما يسمى بالتطهير وهي عملية ختان الأطفال من الذكور، لذا كان الشارع قبلة الكثير من الناس يتوافدون من كل مكان لقضاء مصالحهن وللتبادل التجاري. الأحساء المبدعة ونوه الغوينم بأن الشارع سكنه العديد من الفنانين، وشهد أيضا الكثير من ابرام العقود الفنية، من قبل الناس المقتدرين ماديا، لإحياء حفلات الأعراس والمناسبات الخاصة، حيث أعراس الأحساء سابقا لا تكاد تخلو من وجود الفرق الموسيقية التي تسمى في ذلك العهد «المجلسي» التي تم احياؤها مؤخرا ضمن مهرجان «الأحساء المبدعة» التي نظمته الأمانة، ويعتبر المجيلسي من الموروث الشعبي التي اشتهرت به واحتنا الجميلة، حيث يأتي الميسورون من المجتمع ليتعاقدوا مع المطربين والفنانين لإحياء حفلات الزفاف وغيرها من الحفلات. ومن هذا الشارع ظهر العديد من الفنانين الشعبيين المعروفين، فنانين كبار البعض منهم توفاه الله برحمته، وآخرون ما يزالون على قيد الحياة أمد الله في أعمارهم، من هذا الشارع الفني خرج إلى عالم الفن الشعبي الفنان عيسى بن علي الأحسائي، وطاهر الأحسائي، والشاعر الكبير الجنوبي، والأستاذ مطلق الدخيل، وحمد المطير رحمه الله تعالى، الكثير من الفنانين. محل واحد ويتحدث الغوينم بألم عن التحولات التي طالت هذا الشارع قائلا بأنه لم يتبق من محلات بيع آلات الموسيقى والتسجيلات الفنية سوى يبيع الآلات الموسيقية، ومحل مشابه تم إغلاقه كان يبيع الأشرطة، ولكن مع وجود الموجة الحديثة من الإلكترونيات، والتقنيات الجديدة المتطورة أصبحت الأشرطة والاسطوانات تراث من الماضي فقط، لا يوجد عليها اقبال أو سوق تقريبا، حيث إن عهد الإسطوانات اندثر بعد حضور تقنية الأشرطة التي هي أيضا اختفت مع التقنيات الحالية، وبدأ يضعف هذا السوق متأملا أن يعود هذا الشارع الفني أو شارع المدير أو شارع الإسطوانات. ويختم حديثه بأن الشارع تميز بميزة مهمة جدا، حيث كان سكانه من العوائل العريقة المعروفة على مستوى الاحساء، وهي الأسر الكريمة جلهم من المهنيين الذين يعملون في هذا الشارع، حيث ورثوا العديد من الحرف اليدوية ذات الطابع المهني الجميل، إلى أبنائهم الذين امتهنوها وتفوقوا فيها ومارسوها زمنا طويلا في محلاتهم المهنية. بوخمسين يقوم بإصلاح الأجهزة القديمة عبدالرحمن الزامل يصنع أحد الدفوف عامل يقوم بإصلاح الحواسب القديمة الشواف في أحد محلات مسجلات السيارات أحد العمال القدامي في الشارع