قالت شمس علي، وهي تغادر القاهرة، مخاطبةً نجيب محفوظ: «أية أقدار ساقتني أن أغادر أنا وأنت ذات المحطة الأخيرة القاهرة عشقك الأبدي، في ذات الزمن، صبيحة الأربعاء». (طقس ونيران: خارج السرب القصصي لم نلتقِ أنا ونجيب محفوظ). غادرت شمس القاهرةَ قاصدةً الإسكندرية، وغادر نجيب محفوظ عالمَ الأحياء صبيحة يوم الأربعاء 30 أغسطس 2006م. رحلت شمس علي أيضا، ويا للمصادفة، صبيحة الأربعاء الماضي 26 أبريل 2017م، وبرحيلها فقدت الساحةُ الثقافية كاتبةً متميزة ومحررةً صحافية قديرة. حين تطرح ثنائية الأديب/ الصحافي محورا للنقاش فإنه غالبا ما يشار إلى الاحتراف، وإلى إعطاء القوس باريها، وباريها، تبعا لذلك التصور، هو الصحافي/ الصحافي، أو الصحافي «الخالص». مع أنه أمكن الجمع بين الاهتمامين، فرأس بعض الصحف والمجلات أدباء أدوا عملهم بإتقان. أجد هذه المقدمة لازمةً وأنا أستعيد ذكرى الكاتبة شمس علي التي جمعت بين الاهتمامين الأدب والصحافة فأبدعت في الحقلين معا. أكثر ما يميز شمس كمحررة صحافية هو مضامين حواراتها وأسئلتها الذكية، ودقتها الفائقة في التحرير الصحافي. حين تقام ندوة أو أمسية شعرية أو قصصية، ونطالع التغطية الصحافية في اليوم التالي، نجد وقائع ونصوص ومداخلات الأمسية قد نقلت بحِرَفية عالية دون تحريف أو تصحيف، وهذا ما لا يتقنه بعض محرري الدرجة الثالثة الذين يحولون «الشربات إلى فسيخ»، ويتفننون في بعثرة الآراء وتشويه النصوص، وتقويل المحاضر والحضور ما لم يُقل، وتصنّع الإثارة الممجوجة من أجل الإثارة وحدها، حتى لو كان ذلك على حساب الصدق والموضوعية. كانت شمس علي تتقن عملها الصحافي وتؤديه بشكل محكم لا تشوبه شائبة. يعينها على ذلك حبها لعملها. إنها بهذا تحقق مقولة الروائي الفرنسي ستاندل «أن يكون هوى المرء مهنته» أي أن يكون منسجما مع عمله، ملما بفلسفته، مدركا لأهدافه. هكذا يتحول ذلك الشعف إلى إبداع. يضاف إلى ذلك حسها الأدبي، وذائقتها الراقية، وعلاقتها الوطيدة بجماليات اللغة. تبدو أناقة اللغة واضحة في تجاربها القصصية. ففي مجموعتها القصصية «طفس ونيران» على سبيل المثال تتجلى مهارات الإيجاز والتكثيف اللغوي والتناغم، حيث يتصاعد ترس السرعة اللغوي حتى يصل بالعبارة إلى تخوم الشعر. غابت شمس علي عن المشهد الثقافي مبكرا، وهي في أوج قدرتها على الإبداع. غابت بشكل مباغت خلف سحابة حزن هَمَت زخات أسى على نفوس ذويها وقرائها ورفاق الكلمة.