الحمد لله الذي جعل الأمن مطلب كلِّ حي، وأنعم به علينا في حياتنا الدنيا، وخصّ به عباده الذين آمنوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، جعل حيازة الدنيا بحذافيرها لمن أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد: ففي مهد الدعوة الإصلاحية على أرض المملكة العربية السعودية يخرج دليلٌ ناصع، وبرهان ساطع من خلف الأسوار على ما وضعته الشريعة الإسلامية من مبادئ إنسانية، وأخلاق سامية؛ حيث يشهد سجن الحاير تخريج الدفعة الأولى من نزلاء هذا السجن في تخصصات متعددة، وعلوم متنوعة (الشريعة، والدعوة، واللغة العربية، والاقتصاد، وإدارة الأعمال) في كليات تابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. يأتي على رأس هذه التخصصات الشريعة الإسلامية؛ التي استطاعت أن تسكن قلوبهم، وتخاطب عقولهم بعد أن عاينوا بأنفسهم، ورأوا بأعينهم ما منحتهم القيادة الحكيمة الرحيمة في هذه البلاد المباركة من حقوق إنسانية، ومعاملة راقية تنبع من عقيدتها الراسخة، ومنهجها السلفي الرَّصين، وإيمانها القوي بالإحسان الذي كتبه الله على كل شيء، وأنَّ الله مقلب القلوب؛ فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء؛ فجعلت هذه الفئة من جسد الأمة التي كانت بالأمس القريب معاول هدم، وعناصر إفساد، وتخريب، وترويع للآمنين تتحول اليوم إلى طلبة علم ينفعون أوطانهم، ويحذرون شر دعاة الفتنة والتحزب، بعد أن أزيلت الشبهات التي غرسها المغرضون في عقولهم، ومحيت المعتقدات التي زرعها الحاقدون في قلوبهم؛ في تجربةٍ عالميةٍ فريدة لا مثل لها، وذلك بمقارعة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، والدليل بالدليل في حوار هادئ، ودعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أخذت بأيديهم إلى الصراط المستقيم، وأخرجتهم من ظلمات العنف والإرهاب إلى نور العدل والاعتدال والأمن والأمان، دخلوا سجن الحاير حائرين فيسرت لهم جامعتنا الغرَّاء سبيل الهداية إلى الحق بكل حبٍ ولطفٍ وعطاء... فهذا مثال للعالم يحتذى، وقدوة بهداها يقتدى، وأسوة حسنة في آلية التعامل الإنساني مع من ارتكبوا مخالفات، وحاولوا الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم، وخالفوا الشريعة التي نزلت على رسولنا- صلى الله عليه وسلم-، ولم يهتدوا بهدي سلف الأمَّة الصالحين، قدم هذا المثال جامعة الإمام برعاية كريمة من سمو سيدي ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله. فشكر الله لهذه القيادة حكمتها ورحمتها، وجزاها الله خيرًا على ما تقدمه من رعاية وعناية ونصح لكل من ضل وزل. وشكر الله لوزارة التعليم هذا الاهتمام، وشكر الله لمعالي مديرنا الغالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل حرصه واهتمامه بهذه البرامج النوعية الفريدة، وشكر الله لعمادة التعلُّم الإلكتروني والتعليم عن بعد في الجامعة ما بذلته وتبذله من جهود كريمة. واللهَ نسأل أن يحفظ هذه البلاد المباركة، وأهلها من كل مكر وسوء، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان الذي ترفل فيه في ظل ولاة أمورنا، سدد الله خطاهم، وثبت على الحق أقدامهم، وأيدهم بنصره وقوته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.