سأبتعد عن سرد أسباب وأرقام استعمال اللغة العربية في الفضاء العام، وهي عصب الهوية الثقافية وأثر ذلك في المحافظة على الذاكرة، نظرا لسهولة الحصول عليها بالمراجع ومحركات البحث، وسأؤكد على نقطتين: الأولى أن هذا الواقع جاء نظرا للانفراد بموازين القوى العالمية، ما خلف خللا حضاريا نتيجة الاحتكار الصناعي والتقني والعسكري، وليس لكون جوهر هذه الأمة التخلف وغيرها التقدم. الثانية، أنه رغم سوداوية النتائج في أعين المختصين، إلا أن وجود تلك اللغة محمية بالدساتير العربية كلغة رسمية، ووجود شبكة إعلامية واسعة متعددة الوسائط تخاطب الجمهور بلغتهم، صمام أمان لإبقاء هذه الرابطة وسيلة تواصلية حية بين الشعوب؛ رغم التشوهات اللهجية والأعجمية. ولبقاء الأمة حية يجب المحافظة على قضايا توافقية يتم استنهاض رمزيتها، كقضية فلسطين وتحرر الجزائر. فرغم مساعي العدو والمطبعين معه للحيد عن فلسطين، إلا أنه تم الفشل في طمسها من ذاكرة المخيلة الجمعية، فهي حاضرة بميادين السياسة والإعلام والأدب والفنون والموسيقى والفلكلور والتراث.. ما جعلها راسخة في الوجدان والضمير العربي الموحد، كجزء منهم ومن تكوينهم الثقافي، بل ومستقبلهم. وللمحافظة على ديمومة القضية يجب أن تقدم كرمز لتحرير الأرض بالمقاومة، عبر بعث حكاية تحرر الجزائر كنموذج عربي أخرج المحتل بعد استيطان دام أكثر من مائة عام بسواعد مليون شهيد. رمزية هذا الربط تكمن في انعاش الأمل وتبديد اليأس بعدم جدوى مقاومة الاحتلال العنصري وحتمية القبول بالتطبيع. ختاما.. يذكر إدوارد سعيد أن دراسة التاريخ أساس الذاكرة، ما يعني أهمية تنشيط مشتركاتنا الثقافية العربية بغية الوصول إلى ذاكرة نافعة تحمي الشعوب من تهديدات التقسيم الغربي والاستجابة للنزاعات الطائفية، وأيضا تخدمهم في المحافظة على المكون الثقافي، ما يصب في خانة التنمية بمفهومها الواسع والأشمل.