المقصود ب «نحن» هو المشترك الثقافي ذو الأبعاد الحضارية الذي يشترك في سماته وخصائصه قوم من الناس، فيتميزون بها ويعرفون أنفسهم من خلالها، كهوية جامعة مشتركة بين أفراد تلك المجموعة. أما الذاكرة فهي مجموعات الروايات والأساطير والصور التي تنشأ منها العادات والتقاليد والأعراف والفنون والآداب.. وكل ما يندرج تحت مفهوم الثقافة الواسع، ويتم تناقلها عبر الأجيال ككتلة تعبر عن هوية قوم أو جماعة. وفي ظل الواقع العربي المتأزم الذي نعيشه حاليا، والمنهزم معنويا وعسكريا وإعلاميا أمام الآلة الغربية، ما أنتج دعوات جهوية وطائفية وعنصرية ومناطقية، كطوق نجاة تتعلق به كل فئة كي ترسي في جزيرة تخصها وتحقق مصالح جماعتها وذلك بمنأى عن الآخرين، نكون بحاجة غير ذي مرة أن نعيد التأكيد على تعريف الذات مقابل الانفجار الهوياتي. فنحن العرب نمتلك مشتركات ثقافية من الممكن أن تكون رابطة جامعة وعابرة وتمثل كافة فئات وشرائح الدول العربية. فعلى سبيل الإيجاز، نحن نمتلك لغة حية غير متحفية ومستخدمة بين الناس وفي وسائل الإعلام، وبل ويتم التأكيد عليها في الدساتير العربية كلغة رسمية. كما نملك إرثا تاريخيا جمعيا لشخصيات ورموز عظيمة في الفروسية والشعر والتراث. وسابقا لعبت قوافل التجارة دورا فاعلا جغرافيا إضافة إلى انتشار القبائل بين كافة الأقطار العربية، وما يجمع بينها من نسب ومصاهرة. وأمام هذه العوامل والمصير المشترك نجد أنفسنا أمام ما يتجاوز كافة المشتركات الضيقة الأخرى، والتي تقوم على مبدأ دق أسفين التشرذم وتمزيق المجتمعات العربية، وبالتالي تشويه الذاكرة من خلال استحداث أخرى منعزلة تنقب في السراب عن هوية انشطارية، مستفيدة من الوضع القائم سياسيا وثقافيا. فيما سنرجئ حديث الذاكرة بالمقال القادم، نظرا لأهميتها وأثرها في الشعوب.