في الأول من تشرين الأول أكتوبر 2013م، أعلنت الأممالمتحدة أن 979 عراقياً قتلوا في أنحاء العراق خلال أيلول سبتمبر من العام الجاري، مقارنة ب 804 أشخاص في آب أغسطس. وكان يوم 21 أيلول سبتمبر الأكثر دموية خلال الشهر الماضي، حيث قتل 91 شخصاً، غالبيتهم في بغداد، وتحديداً في مدينة الصدر. وفي 30 أيلول سبتمبر، قتل ستون شخصاً على الأقل، وأصيب أكثر من 170 بجروح، في سلسلة هجمات بسيارات ملغمة ضربت مناطق متفرقة بغداد. أعلنت وزارة حقوق الإنسان العراقية، في الثامن من تشرين الأول أكتوبر 2012م، عن تسجيل أكثر من 300 ألف ضحية، بين قتيل وجريح، جراء أعمال العنف التي تقوم بها المجموعات المسلحة، وذلك منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين في التاسع من نيسان أبريل عام 2003م وفي اليوم ذاته، قتل ثمانية أشخاص، بينهم ستة من عناصر الأمن الأكراد، في تفجيرات استهدفت مقراً أمنياً رئيسياً وسط مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق. وبلغ عدد القتلى منذ بداية العام 2013م وحتى نهاية أيلول سبتمبر 5740 قتيلاً، وهو ما يفوق ضحايا العنف في طول العام 2012م، البالغ عددهم 4471 قتيلاً. ولا تنسب عمليات القتل التي تستهدف المدنيين العراقيين إلى جهة واحدة فقط، إلا أن غالبيتها يجري تبنيه من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو أبرز فروع القاعدة في المنطقة، في الوقت الراهن. وقد أعلنت وزارة حقوق الإنسان العراقية، في الثامن من تشرين الأول أكتوبر 2012م، عن تسجيل أكثر من 300 ألف ضحية، بين قتيل وجريح، جراء أعمال العنف التي تقوم بها المجموعات المسلحة، وذلك منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين في التاسع من نيسان أبريل عام 2003م. وقالت بيانات الوزارة إنه جرى تسجيل أكثر من 70 ألف قتيل منذ ذلك التاريخ، فضلاً عن 250 ألف معاق، ونحو 15 ألفاً اعتبروا في عداد المفقودين. وفي المجمل، بدا العراق على شفاء حرب أهلية شاملة. وقد تكشف للجميع أن هناك جهات قد استهوت قتل الناس في الأسواق، وتفجير حافلات الطلاب، وقطع الرؤوس على الهوية. وبدا واضحاً أن هناك مخططاً مدروساً بعناية لزج العراق في أتون حرب طائفية لا تبقي ولا تذر. وقد شهدت حوادث العنف المسلح في العراق تراجعاً ملحوظاً في الفترة بين عامي 2008 – 2012م. وفي إفادة له أمام لجنة في الكونغرس، في 8 نيسان أبريل 2008م، أشار الجنرال ديفيد باتريوس، الذي كان قائداً للقوة المتعددة الجنسيات في العراق، إلى أربعة أسباب قادت للسيطرة على موجة العنف المسلّح، وهي: - الزيادة الكبيرة في عديد قوات التحالف والقوات العراقية، إذ كانت هناك طفرة عسكرية أميركية، وطفرة مماثلة لدى العراق، حيث أضاف أكثر من 100 ألف جندي وشرطي في العام 2007م. - شن عمليات مشتركة، عراقية – أميركية واسعة، ضد المجموعات المسلحة، وعصابات الجريمة. - رعاية المصالحة الوطنية، وحدوث تقدم سياسي واقتصادي. - تشكيل مجموعات "الصحوة"، منذ أواخر العام 2006م. ومع الوقت، حفزت "الصحوة" عشرات الآلاف من العراقيين على المساهمة في توطيد الأمن الداخلي. اليوم، عاد العنف ناشطاً ليحصد أرواح المدنيين العراقيين، في مناطقهم المختلفة، ومن كافة أطيافهم وانتماءاتهم. وهذا العنف ليس له ما يبرره. وليس له هوية دينية أو وطنية، ذلك أن جوهره يتناقض مع فلسفة الدين، كما الوطن الجامع، وهو أيضاً غير ذي صلة بثقافة المجتمع العراقي وتقاليده. هذا العنف هو احتراف فئة ضالة، ذات فكر إقصائي جانح ومنحرف، لا يرى في الآخر أخاً في العروبة أو الدين، ولا شريكاً في الوطن، بل ينظر إليه من زاوية اختلافه وتباينه، وفق منطق من ليس معنا فهو ضدنا. ولذا، نصب العداء للأمة، بعد أن كفر دولها ومجتمعاتها، واعتبر كل من يدعوه للرشاد زنديقاً ومارقاً. إن التزاوج بين العنف والتطرف الفكري هو تزاوج بين ميولين جانحين، ولّد نهجاً إقصائياً، لا يقتصر على عدم الاعتراف بالآخر، بل يدعو إلى محاربته. والعراق ليس وحده المبتلى بمن يُمثلون هذا النهج، لكنه يعتبر اليوم أحد أكبر ضحاياه. وبطبيعة الحال، هناك الكثير مما يجب عمله على صعيد متطلبات الأمن الداخلي في العراق، وربما يكون العراقيون قد قطعوا اليوم شوطاً مهماً على هذا الطريق، وقد تكون لديهم العديد من التصوّرات المستقبلية. وعلى الرغم من ذلك، فإن جوهر الأمن الوطني لأية دولة يبقى مرتبطاً على نحو وثيق بالخيارات والمفاهيم ذات الصلة بالعيش المشترك، وقبول الآخر، والاعتراف بخصوصياته الاجتماعية والثقافية، والتعامل معه كشريك في الوطن، لا آخر ثقافي أو عرقي. وهنا، تبدو ضرورة التحلي بمنطق الوسطية والاعتدال، ورفض التطرف الفكري، والجنوح الطائفي، والنزعات الجهوية والقبلية، التي تقسم المجتمع، وتمهد للاقتتال الأهلي، بل وتهدد الوحدة الترابية للبلاد. والنزعة الطائفية على وجه الخصوص، تُمثل اليوم إحدى التحديات المركزية أمام السلم الأهلي في العديد من الأقطار العربية والإسلامية. والطائفية ليست بالمعضلة الجديدة، إلا أن الجديد هو حجم تمددها، وتنامي الخطر الذي أضحت تمثله. وعلى الرغم من صعوبة تعريف الطائفية بالظاهرة السياسية، إلا أن أطرافاً سياسية بعينها قد تمترست خلف رايات طائفية، دون لبس أو مواربة. ومع دخول بعض المجموعات الاقصائية لعبة الصراع الإقليمي بأجندة وأدوات طائفية، فقد اقتربت المسألة الطائفية من كونها معضلة جيوسياسية. وفي هذا قدر من التحول التاريخي، إذ لم يكن البعد المذهبي بُعداً صريحاً ومعلناً حتى في الحروب الكبرى التي شهدها تاريخ الشرق، بين إمبراطوريات متنافسة، ومتباينة مذهبياً. وعند تحليل المسألة الطائفية، يُمكن القول إننا أمام ظاهرة تختزل في الأصل بعداً اجتماعياً، وترتبط بحاضر مشدود بقوة إلى ماضيه، وهي ظاهرة ليست لها شخصية مكانية، على الرغم من بعض تجلياتها المرتبطة بالمكان. وعلى هذه الخلفية، اكتسبت ظاهرة الطائفية بُعدها الإشكالي الذي نشهده اليوم. والطائفية كظاهرة اجتماعية، يخضع تحليلها بالضرورة إلى معطيات المكان والزمان، كما معطيات البيئتين الاقتصادية والثقافية، وبالضرورة أيضاً سمات المناخ السياسي. ويمكن القول، على وجه مجمل، إن نمو هذه الظاهرة لدى الأفراد يعود بصورة أساسية إلى ثقافة الأنا وإقصاء الآخر، وهي تجد جذورها الأكثر عمقاً في التنشئة الأولى، البعيدة عن حب الآخرين، والإصغاء لما يقولون. كذلك، فإن الفرد المشبع بالعصبية القبلية أو المناطقية يغدو أكثر ميلاً للتأثر بالظاهرة الطائفية والالتصاق بها. ولهذا، فإن تنشئته في الصغر بعيداً عن التعصب القبلي والمناطقي قد تقيه في الكبر من ظواهر اجتماعية أكثر خطورة، كالتعصب الطائفي. وختاماً، فإن المجتمع العراقي قادر، ولا ريب، على التغلب على سياسة الإيقاع الطائفي، التي تسعى إليها القوى الظلامية الشريرة. وبالقدر الذي ينجح العراق في تحقيق مشروعه الوطني الجامع، بالقدر الذي يبدو فيه أكثر بعداً عن هذا الخطر. إن العراق يعيش اليوم مرحلة انتقالية بالمفهوم الكلي للمصطلح. وعلى كافة الفرقاء المحليين توخي الحذر في مقاربة المفاهيم والسياسات، والتأكيد على الخيارات الجامعة، والدافعة باتجاه الألفة والوئام، فذلك هو أقصر الطرق وأفضلها لصون الأمن وإدامته. إن المطلوب هو حوار وطني شامل وشفاف، يؤسس لاستقرار سياسي، يُبنى عليه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ويعزز فرص الأمن والسلم الأهلي. واليوم، فإن أية حرب أهلية تندلع في العراق، لا سمح الله، سوف تمثل كارثة يصعب على المرء كثيراً تقدير أبعادها. إن مثل هذه الحرب ستكون وخيمة في تداعياتها المباشرة والبعيد المدى، لأنها قد تقود إلى بروز العراق كدولة ضعيفة أو فاشلة، أو حتى مجزأة. وفضلاً عن ذلك، ستكون هذه الحرب كارثية على كافة دول المنطقة، وقد تولد حرب أهلية في بلد مجاور. وربما تقود إلى حرب إقليمية على أشلاء العراق. ومن هنا، لا بد للجميع، داخل العراق وخارجه، من تحمل مسؤولياته التاريخية دونما لبس أو مواربة. على الجميع السعي إلى وأد الفتنة في مهدها، ورفض ثقافة التطرف والجنوح الطائفي، والتصدي للفئات الضالة، العابثة في دماء الناس، ودعم مقومات الأمن والاستقرار في ربوع العراق.