لم يكن يدور في خلدي أن أشاهد جنازة مثلما رأيت في موكب مهيب وقلوب رقراقة ووجوه مشرئبة عندما زحفت إليها أعداد كبيرة من كل مكان جاءوا ليلقوا النظرة الأخيرة على وفاة رجل عظيم وكريم وملهم في مدينة الخبر. إنه المرحوم- بإذن الله تعالى- الكاتب والأديب الأستاذ محمد بن عبدالرحمن المعيبد ذلك الرجل الذي عرف بدماثة الأخلاق ولين الجانب وعشق الحوار، وما ان انتهت الصلاة عليه حتى حمل على الأكتاف من أبنائه وإخوانه وأفراد أسرته وأصدقائه ومحبيه داعين له بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته. لم يتوقف ذلك المشهد حتى بدأ فصل آخر وهو استقبال المعزين من قبل ابنيه إياد وإيهاب وكافة أقاربهما لتقديم واجب العزاء في مشهد هو الآخر مؤثر عندما قدم إليه عدد من أصحاب الفضيلة والعلماء والمسؤولين ومديري الإدارات الحكومية وزملائه وأصدقائه ليس من المنطقة الشرقية فحسب، بل من جميع مناطق المملكة ودول الخليج العربي ومصر والشام ولبنان وغيرها، حيث تربطهم بالمرحوم علاقات قوية. جميعهم حضروا لتقديم العزاء كجزء بسيط ليكتبوا له لوحة من الوفاء على مدى سنوات طويلة وهو يكتب لمجتمعه ووطنه، كان يبحث عن كل ما يسعد المواطن والمقيم يتلاعب بقلمه الجميل وعباراته الجياشة وعندما تقرأ له ما بين السطور خاصةً في المجال الاقتصادي يجعلك تتعاطف وتنجذب له، لأنه يجد لك حلا في مصروفاتك ونفقاتك وكيف تصبح ذا حكمةً وفطنة ويوفر لك مبلغا تستثمره في حياتك وليس هذا فقط فهو متنوع الثقافات، حيث يتنقل من ديوانية يومياً إلى ديوانية أخرى للبحث عن المعلومة والخبر الصادق. محمد المعيبد- يرحمه الله- عندما يختلف مع خصومه يجد لهم الحل والمخرج دائماً، يتحدث بوضوح وواقعية وعندما يجد الفرصة متاحة أمامه يحول الافكار إلى أفعال، عجبت منه حينما كان ينتقد بعض رجال العلم والأدب والدين حينما يتحدثون ويعظون دون فعل أو تنفيذ، ففوجئت ضمن تلك المواقف عندما سمع من شيخ كبير فضل رعاية اليتيم عند الله دون العمل به فإذا بالاخبار تصلني من أقاربه أنه كان يذهب لبعض بيوت الأيتام يحضرهم في منزله ويستضيفهم ويلاعبهم ويدخل البهجة والسرور عليهم، إنها الأفعال قبل الأقوال، نسأل الله- تعالى- أن يكون ذلك في ميزان أعماله وحسناته. لعل أكثر من سيفقده هي زوجته المصون أم إياد رئيسة لجنة كافل اليتيم بجمعية فتاة الخليج الخيرية كغيرها ممن يفقدن أزواجهن وهي أيضاً تتحفنا بمقالها الأسبوعي في هذه الجريدة بقلمها السيال والجميل والمتجدد دائمًا ترثينا في موتانا ومصائبنا وتخفف منها وأتذكر لها مقال: (صرخات الوجع) ومقال: (أم طارق وأم حمد حين توفاهما الله) ومطلوب منها الآن القوة والصبر كما علمتنا، فالمصاب جلل فيكفي أن روحه- بفضل الله- فاضت لبارئها بسلاسة ويسر وهذا من دلائل ومؤشرات الخير إن شاء الله. أخيراً دعوة لزملائنا في هذه الجريدة الفاضلة أن تتبنى مشروع جمع كل مقالاته ومنشوراته بالتعاون مع النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية الذي يمثله رئيسه محمد بودي الذي أول من قدم العزاء في هذه الجريدة لوضعها في كتاب ليستفيد منها الجيل القادم وان تباع في المكتبات ومعارض الكتاب ويكون ريعها بالكامل للمرحوم بإذن الله محمد المعيبد وتقدم للأعمال الخيرية كصدقة جارية له فهو الآن في أمس الحاجة اليها لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». فكل هذه الصفات مجتمعة في هذا المشروع، فمثلما أخلص لنا هذا الرجل في حياته يجب مكافأته بما يحتاج إليه بعد مماته.