رحل عن دنيانا يوم الإثنين المنصرم12 8 1430ه الرجل البشوش الودود، السيد محمد علوي بلفقيه، ومع يقيني بأن الموت حق لا يسلم منه لا المُعزِّي ولا المُعزَّى، إلاّ أني أُصبتُ مع ذلك بصدمة عنيفة من جراء تلقي خبر فقدنا لذلك الرجل الذي عايشتُه دهرا أثناء مزاملتي له في العمل بجريدة المدينة، فكان مثالا لمجموعة من الفضائل التي تمشي على رجلين، فقد جمع الله له جملة من الخصال والمحامد والمواهب، ففضلاً عن انتمائه إلى العترة النبوية الشريفة نسبا، فهو إلى جانب ذلك أديب النفس، مثلما هو أديب الدرس، تتجسّد فيه أخلاق المسلم، كأظهر وأجلى ما تكون، يحفظ كتاب الله عن ظهر القلب، وله في تلاوته نغمة تأخذ بالألباب وتحمل على الخشوع، له اطلاع واسع على علوم الشريعة، أمّا اللغة العربية وآدابها، فإنّها هي ساحته الواسعة التي ينطلق منها، فله معرفة بالشعر وعلله وأوزانه، كما أنه المرجع الأول في الصياغة، وحماية كتّاب الجريدة من سقطات وهفوات أقلامهم، وقد قرن الله له تلك المحامد، بأن وهبه الأخلاق الرفيعة إذا ناقشك، ناقشك بأدب جمّ وصوت خفيض، ولن يُخطئك صدقه وإخلاصه فيما يمحضك به من النصح، أو ينقله إليك من المقترحات فيما يخص مقالا لك في الجريدة.. وقد كنت في وقت من الأوقات على اتصال يومي أو شبه يومي به، فقد أُوكِلت إليه مقالات الكتاب لمراجعتها وإعدادها وترتيبها للنشر، وكان من متطلبات تلك المسؤولية متابعته للكتّاب فيما يخص مقالاتهم التي تأخر وصولها، وللمرء أن يتصور ما يتطلبه ذلك من المهارة في التعامل مع الجم الغفير من الكتّاب الذين يمثلون مشارب مختلفة، وأمزجة متباينة، يُقيم أحدهم الدنيا ولا يُقعدها، لو بُدّلت جملة خاطئة من جمل مقاله بأخرى صحيحة، أو بأخرى قد تسلمُ الجريدة منها من التبعات والمؤاخذات.. وخاصة وأنّ الإعلام والصحاف السعودية في تلك الحقبة، كان يُدار من قبل أٌناس كانوا يؤاخذون الكاتب على ما لم يكتبه أكثر من مؤاخذتهم له على ما كتب.. فالمعاني المستنبطة من المقال، وما بين سطوره، هي غالبا ما كانت مؤاخذة الكُتّاب عليها في تلك العهود المظلمة للكلمة في بلادنا.. فكان السيد محمد علوي بلفقيه رحمه الله، الرجل المناسب ليكون همزة وصل بين الجريدة وكتّابها.. ولعلّ مما يناسب ذكره هنا، أنّ الفقيد الغالي، كانت له موهبة ربانية أخرى إلى جوانب مواهبه الأخرى الكثيرة التي مرّ ذكر بعضها، فهو خطّاط بارع، كانت الجريدة تعتمد على خطه أي اعتماد،قبيل ظهور تقنيات الخطوط الكمبيوترية الحديثة، وكان هو الذي يخط المعلقة الأسبوعية للشاعر الكبير السيد محمد حسن فقي رحمه الله التي كانت تُخصصُ لها صفحة كاملة من صفحات الجريدة، فكان خطه الحسن يتعانق مع جمال تلك القصيدة فيزيدها تلألأً وبهاء،وهو ما كان له أثره فيما رأيناه وقتئذ من تشجيع الشاعر الكبير على غزارة ما كان يُنشر له من الإبداع في جريدة المدينة.. وذلك هو ما حمل الأستاذ أحمد محمد محمود رئيس التحرير وقتئذ على تفريغ السيد محمد علوي بلفقيه لخط قصائد الشاعر الكبيرالسيد محمد حسن فقي. بقي أن أنوه بالخدمة العظيمة المفعمة بالإخلاص، التي أدّاها السيد محمد علوي بالفقيه، لوطنه المملكة العربية السعودية، بعمله الدءوب في جريدة المدينة، وهو ما يتعين معه، تقدير ذلك له، ومكافأته عليه ولو بعد فوات الأوان، بتخليد ذكره وسداد ديونه، وطبع إنتاجه المخطوط، والوقوف إلى جانب أسرته وأبنائه. رحم الله الأخ الحبيب، والزميل الكريم، والأستاذ الناصح الحكيم الأستاذ السيد محمد علوي بلفقيه، وعزاؤنا لكافة أهل بيته الكرام ولزملائه وأصدقائه من الصحفيين والشعراء والكتاب، وبخاصة الزملاء في جريدة المدينة الذي كان الفقيد صرحاً شامخاً في بنيانها فهوى.. (إنّا لله وإنا إليه راجعون).. [email protected]