حينما خرج محمد علي حافظ ( المدينة ) ودخل عزيز ضياء هربت إلى الكويت وأعادتني رسالة من أبي عمرو لا تحتاج لكي تعرفه إلى كبير عناء ولا لتخاطبه إلى مجهود في التضخيم واستعمال الألقاب « المتعارف عليها» مثل الأستاذ أو سعادة الأستاذ أو «الشيخ» مع استحقاقه للدكتوراه فيكفيه أن تخاطبه «بأبي عمرو» فقط محمد صلاح الدين هكذا دون تكلف..! فما أقربه إليك وما أقربك إليه تدخل قلبه ويدخل قلبك منذ لحظه اللقاء الأولى.. وربما من المهاتفه أن تعذر اللقاء! *** وكأنها تعزف لحن الود من أول نظرة تشع من ثنايا وجهه بساطته وابتسامته الرقيقة الواسعة الجذابة الناعمة تطبع ذلك الوجه كله لا تشبه ابتسامة أحد! ابتسامة متسامح ومتسامٍ وواضح وجميل كجمال خط يده الذي يضرب به المثل.. *** عمقه الديني ليس موضع شك بجانب تضلعه في العلوم العامة الأخرى لا يتساهل مطلقا بأمور هذا الدين ولديه غيرة كبرى على مسائله. *** وبالمناسبة لقد قلت منذ أعوام في إجابة على سؤال حول الأستاذ/محمد صلاح الدين بأن من أمانيه أن يكون داعية للإسلام لولا مهامه الشاقة الأخرى ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ورغم مسؤولياته الصحفية المبكرة إلا أنه تمكن من إكمال دراساته العليا وإتقان اللغة الإنجليزية في منبعها الأصلي.. وخاض عالم النشر في وقت مبكر من عمره وفي وقت مبكر أيضاً من عالم النشر ذاته في بلادنا « الدار السعودية للنشر « وعالم الإعلان والإعلام معاً وخاض تجارب ومعارك خلافيه قاسية فرضت عليه ونالت «حقاً» من صحته ومع كل هذا ذهن متوقد وأخلاق عاليه شهادتي فيها مجروحة لأنني لم أكن مرؤوسا له في جريدة المدينة فقط بل كذلك في عمله الخاص ( وكاله مكة للإعلان ثم للإعلام ) وكذلك الدار السعودية للنشر والتوزيع. *** ومن المفروض أن يتجاوز هذا المقال صفاته المعروفة والمتعارف عليها وأعماله الخيرية العلنية والخفية سأتركها للأخوة الزملاء في هذا الملحق لأتجه إلى تسجيل ذكرياتي عنه ومعه وهي كثيرة وعديدة ربما لا يغطيها المقال الواحد ولكني أورد حادثه واحدة تنطوي على كل الشمائل الكريمة التي يتمتع بها والبر وحس الزمالة وحسنها فعندما تحولت صحافة الأفراد إلى مؤسسات صحفيه تولى رئاسة التحرير الأستاذ / محمد علي حافظ «المؤسس والناشر» مع شقيقه الراحل هشام حافظ رحمة الله ومتع الله بالصحة الأول. وكانت للأستاذ / محمد علي حافظ معي علاقة عاطفية وجاذبيه خاصة ووجدانية عميقة أكثر مما هي علاقة عمل! رسخت ذلك بداية ارتباطي بجريدة المدينة حينما كانت ملكيتها لهما! لتلك قصة من المستحيل إيرادها لطولها! لذلك أكتفي بالقول إن كارثة حلت وهي خروج «الأستاذ» من رئاسة التحرير ودخول الأستاذ / عزيز ضياء كمشرف على التحرير ولم أحتمل هذا الحدث الرهيب الذي كاد ينفجر رأسي ويتقطع له قلبي وأصبت بدوار شديد وحيرة مريرة ليس لها مدى! ولم تكن لي أيه علاقة بالأستاذ / محمد صلاح الدين الذي كان مجرد زميل لا أكثر..! ولكن المصائب والمحن تضيء لك في آخر النفق وجها باسما مشعا يقودك إلى ما يشبه الخلاص وتلك منحة ربانية لا يدركها الإنسان إلا في مثل هذه الأعاصير! وصدقوني لست أبالغ حين أستعمل مثل هذا الوصف أو تلك العبارة! لقد وصل بي الأمر أمر تلك المحنة إلى أن أهرب «بدون استئذان» ولم أجد نفسي إلا «بالعاصمة الكويتية» وتسليت بعد أن عاد إلي بعض الوعي وخرجت من حالة الدوار النفسي والتوهان الروحي وتلك الحيرة والبلبلة الذاتية! بقراءة صحف الكويت التي كانت قليله ولكنها قوية وبعضها احتجب مثل «الرسالة» ولم تكن هناك صحيفة يومية سوى الرأي العام لصاحبها المرحوم عبدالعزيز المساعيد والتي تحولت إلى «الرأي» متخلية عن جزئها الثاني وهو الأهم! لم تطل إقامتي بالكويت رغم حفاوة أبناء عمي لي هناك وإغراءات السينما! إذ كان القلق يكاد يقضم تفكيري ويحطمني فلم يهدأ لي بال رغم طيب الإقامة وحسن المعيشة وصفاء الجو في الكويت.. وقد عدت إلى الرياض ملهوفا على الجريدة أتسقط أخبارها من زميلي وصديقي الأستاذ / علي الشدي الذي تولى المسؤولية نيابة عني وإذا به يفاجئني بخبر أثلج صدري وأراح خاطري وهو خروج الراحل عزيز ضياء من الجريدة هذا أولا وثانيا رسالة في مغلف مغلق جميل فضضته على الفور وإذا به يتضمن رسالة أنيقة لفت نظري روعة خطها قبل قراءتها وبعد قراءتها كانت مضامينها من العلو والرفعة وسمو الأهداف بما لا يتخيله إنسان أنه يدعوني إلى العودة إلى العمل.. تطيب خاطري وتدخل الدفء إلى قلبي الملتاع وقتها! وتقول بما يفهم منه «أن الجريدة» لمحرريها «أيا كانت» ولكل من ينتسب إليها وليس المفروض فيك أن يبلغ بك القلق والتشاؤم إلى هذه الدرجة وكن على يقين أنك وأنا وإخوتنا في «المدينة» من يملكها الذي يعنُى بها ويسهر عليها أما رئيس التحرير فمهما أحببناه وتعلقنا به فهذا حقه علينا ولكن ذلك قدره!.. وهكذا وبسبب هذه الرسالة من محمد صلاح الدين وحروفها الذهبية من رجل من ذهب - شفاه الله وعافاه عدت إلى مكتبي في فرع الجريدة بالرياض. *** ولقد أثبتت السنوات صدق رؤية «أخي» فكل محرر في الجريدة أصبحت له عضوية المؤسس في كيان المؤسسة الصحفية التي ينتمي إليها ليس هذا فقط بل وغير المحررين من أصحاب الأموال والمقدرة على الدفع أما أنا فبقيت لوحدي أغرد خارج السرب بلا عضوية في مؤسسة المدينة التي كنت أنتمي إليها أو غيرها من المؤسسات!. والله المستعان.... الرياض