آلمني خبر رحيل الزميل والصديق العزيز والأخ الكبير الباحث والكاتب والمثقف محمد بن عبدالرحمن المعيبد، الذي ساق لنا الحكم والدروس والعبر من خلال كتاباته في جريدة (اليوم)، ونجح - رحمه الله - في تسليط مزيد من الأضواء على الواقع، ما ساعدنا أكثر على استشراف المستقبل، وقد خففت من آلامنا تلك الكلمات المعبرة والرثاء الذي قاله محبوه فيه، كما خفف من ألم الفراق ذلك الحضور الكثيف للناس في مقر العزاء، ولمن لا يعرف محمد المعيبد، أقول لهم: لقد شارك - رحمه الله - في الحركة الثقافية والبناء الوطني وفي مجالات عديدة، فكان من ضمن الكوادر الوطنية، حيث بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة التجارة في الرياض، وبعد عدة سنوات انتقل للعمل في المؤسسة العامة للتحلية بالمنطقة الشرقية، وتدرج في المناصب حتى اصبح من كبار الموظفين في التحلية وساهم في الارتقاء بمستوى العاملين فيها قبل إحالته الى التقاعد. كان - رحمه الله - طيب القلب، وصاحب نفس طيبة كريمة ومرحة، متجدد الأفكار، مستمعًا جيدًا، محاورًا نادرًا لا يتعب من الحوار، يدهشك أسلوبه الجذاب الواضح، ويشدك نقاشه اللافت وكلماته القوية وتحليلاته المنطقية، وتجد في أحاديثه السلسة انسيابية (تشعشع) طراوة لتحفز المشاعر والعقول وتدفعها للتفاعل والتأمل، أحب العلم والبحث، واهتم بنشر الوعي، احبه كل من عرفه ؛ لأنهم وجدوا فيه الانسان قبل الباحث والمفكر والكاتب. أدرك المعيبد - رحمه الله - أن الحكمة ضالة المؤمن، فهرول باحثًا عن الحقيقة، فتارة يتناول هموم المواطن بكل شفافية وصدق، وتارة أخرى يطرح القضايا الوطنية ويناقش الظواهر الاجتماعية الملحة، وفي مرات عديدة يتناول العناية بقضايا الشباب. توثقت علاقتي به على مدى السنوات الثلاثين الماضية، واحتشدت - اليوم - في ذهني مسيرة علاقتي الطويلة به، حيث عرفته مدافعًا عن الحقوق، ثائرًا ضد بعض العادات الاجتماعية المحبطة التي تعيق التنمية، وكان من دعاة الوسطية والاعتدال في سلوك المجتمع وتفكيره، ومن أعداء الغلو والتطرف في كل شيء، له بصماته الجميلة في كل حوار وفي كل ديوانية ومجلس يحضره، حيث كان يشيع الألفة والمحبة بين الحضور، حتى قال عنه أحد محبيه: (اليوم.. ستكون حواراتنا ميتة بعد رحيل محمد المعيبد). رحل عنا محمد المعيبد، ولكنه قبل الرحيل، وضع بصمته، حيث دفعته المهمة السامية لأحاسيسه ومشاعره، وأسمعنا.. بل كتب لنا صوت ضميره الحي، حين كتب عن عالمنا المتوحش في آخر مقال له ما يلي: (فظاعة المشهد ورؤية جثث القتلى وسماع أنين الجرحى واستغاثة المكلومين منقولة على الهواء عبر الفضائيات، وكأنها تشمت في الباقي على قيد الحياة)، كما كتب رحمه الله عن مهزلة العالم حولنا: (المهزلة عندما تطفأ شموع الفرح لشعب أعزل وبلا ذنب اقترفوه، فقط بحجة مطاردة مشتبه وبدم بارد تستباح مدن بكاملها). رحمك الله (أبا إياد) رحمة واسعة وأسكنك فسيح جنانه وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان.. نعم.. نعم ستظل ذكراك حاضرة في أذهان ووجدان كل من عرفك... إنا لله وإنا إليه راجعون. * دبلوماسي سابق ورئيس مركز (اسكب) للاستشارات الأمنية