خلال أيام يصل الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، يأتي هذا الرئيس بخلفية تجارية، فهو ترعرع في بيت والده الذي امتهن تجارة العقارات، ومنذ أن تخرج دونالد ترامب من كلية وارتون بجامعة بنسلفينيا التي درس فيها الاقتصاد بدأ حياته العملية في شركة والده المتخصصة بالعقارات. ثم أكمل مسيرة عائلته وأسس كثيرا من المشاريع العقارية وناطحات السحاب والمنتجعات والفنادق، وقد واجه ترامب عدة مشاكل اقتصادية وأزمات مالية كادت تعصف به وبتجارته، فقد كان قاب قوسين أو أدنى أن يشهر إفلاسه خلال أزمة العقار في التسعينيات وكذلك في عام 2005 م. حيث سجلت استثماراته خسائر فادحة ولكنه عاد مجددا وبقوة الى عالم المال والأعمال. يمتلك ترامب خبرة طويلة في مجال الأعمال وكيف يتعامل مع الأزمات الاقتصادية، فقد أثرت الأزمات المالية الدولية عليه مباشرة وبالتالي يعتقد كثير من المحللين السياسيين أن ترامب يأتي الى سدة الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية بأجندة اقتصادية قد تغير خارطة التجارة العالمية. يأتي هذا الرجل على هرم أكبر اقتصاد عالمي، حيث يتميز الاقتصاد الأمريكي بالتنوع في جميع المجالات التجارية سواء الصناعية أو الخدمية أو الاستخراجية، فأمريكا أكبر بلد صناعي لا يزاحمها في ذلك غير الصين التي يعتقد أنها من أكبر المتضررين من وصول الرئيس الجديد، والى جانب الصناعات تعتبر أمريكا من أكبر الدول المنتجة للطاقة بأنواعها من النفط والغاز الطبيعي والأنواع الأخرى من مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الذرية، كما أن أمريكا واحدة من أكبر الدول الزراعية سواء من حيث الإنتاج أو الصادرات، حيث تقدر الصادرات الزراعية الأمريكية بحوالي 150 مليار دولار سنويا أي أكثر من ايرادات المملكة النفطية، وحقيقة لا مقارنة بين الاقتصاد الأمريكي وأي اقتصاد آخر من حيث الحجم والإنتاج، يكفي أن نعلم أن الناتج المحلي الأمريكي يبلغ أكثر من 17 تريليون دولار، أي أنه قريب من إجمالي الناتج المحلي لجميع دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة وسيكون أعلى منها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن الاقتصاد الأمريكي بني على التجارة الحرة والسوق المفتوحة والاستثمار المفتوح، وكانت أمريكا من أكبر الدول المطالبة بفتح الأسواق العالمية وضد أي حواجز وعوائق تمنع التجارة الحرة؛ كونها أكبر بلد مصدر في العالم ومن المعروف أن أمريكا من أكبر البلدان التي تقيم دعاوى ضد خصومها التجاريين في حالة إعاقة أحد شركائها التجاريين مبدأ التجارة الحرة. وقد فرضت قواعد صارمة على الحكومات الاخرى بعدم توفير الحماية للشركات الوطنية لانها كانت تريد أن تجعل العالم قرية واحدة وهذا لا يمنع أن أمريكا نفسها تطبق هذا المبدأ على شركاتها، فالسوق الأمريكي يعتبر سوقا مفتوحا يستقبل الواردات من كل مكان وهذا ما أثر على ميزانها التجاري كثيرا حتى أصبح عجز الميزان التجاري يؤثر كثيرا على الاقتصاد الأمريكي. فلو ألقينا نظرة على شركاء أمريكا التجاريين نجد أن كندا هي أكبر شريك للولايات المتحدة بحجم تجارة يقارب 660 مليار دولار لكنه يصب في مصلحة كندا، وتأتي بعد كنداالصين بحجم تجارة حوالي 600 مليار دولار، وايضا يميل هذا الميزان لصالح الصين بفارق كبير جدا يبلغ حوالي 350 مليار دولار، وكذلك المكسيك واليابان والمانيا، هذه الدول أكبر شركاء أمريكا التجاريين. ويظهر الميزان التجاري عجزا لمصلحة هذه الدول، يعني هذا انها تستفيد من السوق الأمريكية بقدر أكبر من استفادة الاقتصاد الأمريكي من السوق المحلية لتلك الدول، ويعتقد الرئيس الأمريكي الجديد أن هذه المعادلة التي استمرت عدة سنوات فيجب أن تتغير وهو يهدد ويتوعد منذ حملته الإنتخابية أن يغير المعادلة والاتفاقيات الدولية بما يتماشى مع مصلحة الاقتصاد الأمريكي بغض النظر عن المبدأ الذي قام عليه الاقتصاد الأمريكي وهذا ينذر بحرب وأزمات اقتصادية حول العالم وخصوصا على اقتصادات الصين واليابان وكوريا التي تعتمد كثيرا على المستهلك الأمريكي، كذلك الدول النامية التي كانت تعول على الاستثمارات الأمريكية الخارجية حيث تقدر هذه الاستثمارات بحوالي 3 تريليونات دولار. وهذا ما رأيناه حين هدد الرئيس الأمريكي المنتخب قبل توليه الرئاسة الشركات الأمريكية المستثمرة في السوق المكسيكي بفرض عقوبات قاسية عليها إن استثمرت في بناء مصانع للسيارات في المكسيك. إذا نحن مقبلون على مرحلة جديدة ستغير قواعد التجارة الدولية.