يتنامى ويتعاظم استهلاك المملكة للنفط مع مرور السنين بشكل لافت للنظر وقفزت المملكة قفزات كبيرة بالاستهلاك تعدت فيها كثيرا من دول العالم التي يتجاوزعدد سكانها سكان المملكة بعدة أضعاف. وفي 2015م وصل معدل استهلاك المملكة للنفط الى حوالي 3 ملايين برميل باليوم وهو ما يقارب 30% من معدل الانتاج. وللمقارنة كان استهلاك المملكة للنفط في عام 2000م حوالي 2 مليون برميل باليوم أي حوالي 20% من الانتاج. والحقيقة أن تعاظم استهلاك المملكة للنفط له أسباب معقولة منها تنامي عدد السكان ومناخ المملكة الصحراوي والاعتماد على محطات التحلية لتزويد المواطنين بالمياه المحلاة بالإضافة الى كبر مساحة المملكة والتي تتطلب كميات كبيرة من وقود البنزين والديزل لربطها ببعض وعدم وجود منظومة متطورة للنقل العام مثل القطارات داخل المدن وخارجها. وبالرجوع الى الأرقام الرسمية لاستهلاك النفط ومشتقاته نجد أن الاستهلاك المحلي ارتفع من 1.2 مليون برميل باليوم في عام 2005م الى حوالي 2.5 مليون برميل باليوم، أي أنه تضاعف خلال عشر سنوات. وارتفع الاستهلاك اليومي للبنزين خلال هذه العشر السنوات بحوالي 87% والديزل بحوالي 68% ولقد ارتفع إجمالي استهلاك البنزين والديزل في عشر سنوات من 748 ألف برميل باليوم الى 1.35 مليون برميل باليوم على التوالي. وأصبحت المملكة في عام 2015م ضمن أكبر عشر دول في استهلاك البنزين والديزل متخطية دولا كبيرة وذات عدد سكان يبلغ أضعاف سكان المملكة مثل روسياوتركيا وكوريا الجنوبية «يعرض شكل 1 نمو استهلاك المملكة للبنزين والديزل بآخر 3 سنوات». وللأسف فإن مقدار الهدر بالطاقة كما أوضح معالي وزير الطاقة مؤخرا يصل الى 200-300 مليار ريال بحسب الأسعار العالمية يمكن للمواطنين الاستفادة منها بطرق أفضل مثل بناء مستشفيات جديدة بدل حرقها وتلويث الأجواء. وأما بالنسبة للديزل والذي يعد أحد أهم مشتقات النفط فلقد وصل انتاج مصافي المملكة للديزل في عام 2016م الى 1.1 مليون برميل باليوم وهذا ضعف مستويات الانتاج في 2006م. رائع أن يتضاعف الانتاج خلال عشر سنوات، ولكن يجب أن نسأل أنفسنا عن الثمن لهذه الزيادة وعن الفائدة منها. في شهر سبتمبر 2015م اقترب الاستهلاك المحلي للديزل من مليون برميل باليوم، وفي نفس الوقت كانت أمريكا والصين تستهلكان حوالي 4 ملايين برميل من الديزل والهند حوالي 1.4 مليون برميل. ثم تأتي البرازيلوألمانيا وفرنسا والمملكة بحوالي مليون برميل باليوم. يعني أصبح استهلاك المملكة للديزل عصيا عن الفهم والتفسير. بعدد سكانها ال 31 مليونا تستهلك المملكة كميات هائلة من وقود الديزل بالإضافة الى استهلاكها كميات هائلة من وقود البنزين يضع علامات استفهام. ولكن لو عدنا الى الأسعار في تلك الأوقات لوجدنا أن سعر لتر الديزل بالمملكة من الأقل بالعالم «بدون حساب فنزويلا». لا شك أن انتاج الديزل يحتاج الى استثمارات هائلة وربما يكلف انشاء مصفاة واحدة متوسطة الحجم لتكرير 400 ألف برميل باليوم حوالي 15-20 مليار دولار حسب تعقيد هذه المصفاة وحسب تنوع منتجاتها بالإضافة الى تكاملها بانتاج المواد الأساسية للبتروكيماويات. ولكن مصفاة بطاقة 400 ألف برميل تستطيع انتاج على الأقل 250 ألف برميل بنزين وديزل ووقود الطائرات وبذلك يمكنها رفع ربحيتها لأن هذه المحروقات تمتاز بارتفاع أسعارها عن أسعار النفط الخام على الأقل بحوالي 10-15 دولارا للبرميل، وهذا يعطي قيمة إضافية للنفط. يعني بدلا من تصدير 250 ألف برميل نفط بسعر 50 دولارا يمكن تصديرها على شكل بنزين وديزل بقيمة 65 دولارا للبرميل وهذا الفارق السعري هو أحد أهم الأسباب لارتفاع ربحية شركات التكرير الهندية والأمريكية والآسيوية الأخرى. ولكن يتم استهلاك كميات كبيرة من الديزل محليا بشكل أصبح يصعب على المختصين فهم هذه الظاهرة. ففي عام 2006م كان الاستهلاك حوالي 530 ألف برميل باليوم وارتفع الاستهلاك في شهر سبتمبر من عام 2015م الى 950 ألف برميل باليوم ديزل فقط منها حوالي 200 ألف برميل باليوم لتوليد الكهرباء. وهذا يعني أن استهلاك الفرد اليومي بالمملكة للديزل بلغ في ذلك الشهر حوالي 5 لترات. ويعرض شكل 1 مقارنة لاستهلاك الفرد اليومي بالمملكة للديزل مع باقي دول العالم قبل وبعد تعديل الأسعار في العام الماضي. ولقد بلغ استهلاك الفرد اليومي بالمملكة في شهر سبتمبر 2015م 5 لترات وهي أعلى نسبة بالعالم وبفارق كبير عن دول متقدمة مثل ألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية وعن دول إقليمية مثل تركيا وحتى خليجية مثل الامارات. وفي سبتمبر 2016م وبعد تعديل الأسعار والأخذ بمزيد من الحيطة لمنع تهريب هذه الثروة الى خارج الحدود انخفض الاستهلاك اليومي الى 3.6 لتر لتصبح المملكة مع الشقيقة قطر بالمركز الأول عالميا. وأما استهلاك الإمارات فلم يتعدّ 2 لتر للفرد. يبلغ حاليا سعر لتر الديزل بالامارات 0.49 دولار وفي عمان 0.46 دولار وبذلك اختفت ظاهرة التهريب بين الدولتين بغض النظر عن مستوى المعيشة أو الانتاج النفطي لكل دولة. ويبلغ سعر الديزل بقطر 0.38 دولار وبالأردن حوالي 0.6 دولار وباليمن 0.7 دولار وبهذا نستطيع ملاحظة أن كل الدول المحيطة بالمملكة لديها أسعار الديزل أعلى بعدة أضعاف من المملكة. لا شك أن هذا الفارق السعري بأسعار المحروقات يشجع كثيرا على التهريب وعلى الهدر غير المسؤول. في أغسطس 2015م كانت أسعار الديزل بدولة الإمارات الشقيقة أكثر من ريالين للتر وسعره بالمملكة ربع ريال وهذا يعني أن الفارق 8 أضعاف. وكذلك سعر البنزين بالمملكة حوالي نصف ريال وبالإمارات حوالي 2.25 ريال، أي أن الفارق حوالي 4.5 ضعف. وهذه الفروقات الكبيرة بين الدول المتجاورة ليس في مصلحة الدول الأقل سعرا لأنه من الطبيعي أن يتم تهريبه من الأقل سعرا الى الأعلى. ومن هنا تنشأ ظواهر غير صحية ولاسيما أن جميع الدول التي تحيط بالمملكة لديها أسعار محروقات أعلى بعدة أضعاف من تلك الأسعار بالمملكة. وهذا سيؤثر على المدى البعيد على ربحية وازدهار صناعة تكرير النفط بالمملكة والتي من المفترض أن تتقدم قريبا لتصبح الثالثة عالميا بعد أمريكا والصين. ويعرض شكل 2 مقارنة لأسعار البنزين والديزل بين المملكة ودول الخليج الأخرى. في شهر مايو 2005م استهلكت المملكة حوالي 430 ألف برميل ديزل باليوم وارتفع الاستهلاك في شهر مايو 2015م الى 880 ألف برميل، أي أن الاستهلاك تضاعف خلال عقد من الزمان. ولو أخذنا دولا أخرى للمقارنة فلقد كان الاستهلاك الأمريكي للديزل أكثر من 4 ملايين برميل باليوم بشهر مايو 2005م وانخفض بحوالي 200 ألف برميل بمايو 2015م رغم ارتفاع عدد السكان بأمريكا. وفي استراليا ارتفع من 272 الف برميل باليوم الى حوالي 415 ألف برميل باليوم لنفس المدة الزمنية. وأما كندا فلقد ارتفع من 530 ألف برميل الى 560 ألف برميل رغم ضخامة مساحتها وحاجتها الماسة للوقود من أجل التدفئة. أما استهلاك البنزين فلقد كان استهلاك المملكة في مايو 2005م حوالي 300 ألف برميل باليوم، وارتفع في مايو 2015م الى 550 ألف برميل بزيادة تقدر بحوالي 83%. وفي شهر اكتوبر الماضى استهلكت المملكة يوميا حوالي 564 ألف برميل بنزين وبما أن عدد سكانها حوالي 31 مليون نسمة فيصبح معدل استهلاك الفرد بالمملكة للبنزين حوالي 2.9 لتر وهي رابع أعلى معدل استهلاك فردي بعد أمريكاوكنداوقطر. وللمقارنة مع الدول المنتجة للنفط فإن الفرد بدولة الامارات يستهلك 1.9 لتر وايران 0.9 لتر. وأما ألمانيا فيصل معدل استهلاك الفرد فيها الى 0.8 لتر والصين 0.3 لتر. وربما يعود ارتفاع معدل استهلاك الفرد للبنزين بالمملكة الى اعتماد السكان على وسيلة نقل واحدة وهي السيارات. ولذلك فإن الأمل أن يقدم قطاع النقل العام نفسه كوسيلة جديدة ومرغوبة من الجميع وأن يكون مؤسسة ربحية تقوم على مهنية تامة. وفي الختام لا شك أن تعويض المواطن عن تعديل أسعار الوقود من خلال حساب المواطن يعتبر خطوة مهمة بالطريق الصحيح للمحافظة على الثروات الناضبة. ولكن لابد من عمل شاق مع هذه الخطوة يتمثل بالتبنّي السريع والعاجل لمشاريع الطاقة المتجددة والتقدم في إنشاء وسائل نقل جماعية متطورة داخل وخارج المدن السعودية. ففي شهر أغسطس الماضي، على سبيل المثال، استهلكت المملكة حوالي 2.8 مليون برميل باليوم نفط، حوالي 1.6 مليون برميل منها استهلكت لتوليد الكهرباء والباقي للنقل والاستخدامات الأخرى. وهذا يعني أن المملكة في فصل الصيف تستهلك نفطا هائلا لتبريد الأجواء، وهذا يتطلب العمل السريع على استغلال شمس الصيف لتوليد الكهرباء بدلا من حرق النفط لتبريدها.