أمسك الأردن عن الرد على تحرشات نظام بشار الأسد، التي انطلقت في أعقاب الإعلان رسمياً عن عدم دعوة نظامه إلى القمة العربية، المزمعة مارس المقبل، فيما تفرض الوقائع الميدانية أجندتها على مجمل موقف العاصمة عمّان. نظام الأسد، وعبر الجنرال بهجت سليمان، شن هجوماً إعلامياً على الأردن إثر الإعلان رسميا عن التمسك بقرار جامعة الدول العربية القاضي بتعليق عضوية سوريا، منذ عام 2011. ووجه الجنرال سليمان - سفير الأسد المطرود من الأردن - إلى عمّان «عبارات جارحة» بعد تأكيد وزير الإعلام الأردني د. محمد المومني، أمام «اليوم»، أن بلاده «لن توجه دعوة للنظام السوري، التزاما بقرار جامعة الدولة العربية بتعليق عضوية سوريا». وقال سليمان، في عبارات نشرها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ورصدتها «اليوم»: إن بلاده لن تقبل المشاركة في القمة العربية، متسائلا: «من قال إن سوريا ستقبل دعوتها (عمان)؟». واتهم سليمان الأردن، منذ تأسيسه، بلعب دور مشبوه، وكرر تساؤله «من قال: إنّ الشعب السوري لا يعرف جيّداً الدور الوظيفي منذ إقامة إمارة شرق الأردن عام 1921 حتى اليوم؟»، قاصداً بذلك الجذور التأسيسية للأردن، التي يربطها البعض بوجود دولة فاصلة على طول الحدود مع «إسرائيل» (فلسطينالمحتلة). وزاد الجنرال، المعروف لصنّاع القرار الأردنيين ب «شخصيته المستفزة»، أن «الأردن لا يجرؤ على فتح المعبر الحدودي مع سوريا طالما أن فتحه يخدم الشعبين الأردني والسوري». انفعال سليمان تزامن مع ضغوط مارسها مرتزقة أردنيون، يوالون نظام الأسد، تطالب صانع القرار الأردني بتوجيه دعوة رسمية لنظام الأسد لحضور القمة العربية، وهو ما يتنافى مع سياسة عمان الرسمية. مرتزقة الأسد، من الأردنيين، سعوا إلى تدعيم ضغوطهم بالإشارة إلى ما أسموه «انتصارات النظام في حلب»، معتبرين أنها «ستؤدي إلى تمكين نظام بشار من سوريا، التي يفرض الجوار الجغرافي أن تستعيد علاقات الدولتين عافيتها». وعلى قلة عددهم، إلا أن ضغوط مرتزقة الأسد الأردنيين ظهر على قدر من الأهمية، إذ ينتسب جلهم إلى حزب البعث العربي التقدمي، التابع لحزب البعث في سوريا، وقوى سياسية وحزبية يسارية، وهي القوى التي استقطبتها السلطات الأردنية، في وقت سابق، وعززت من مكانتها داخل أجهزة الدولة لإحداث بعض التوازن أمام قوة جماعة الإخوان المسلمين. ولكن، في مقابل هؤلاء، ينحاز غالبية الشعب الأردني إلى جانب الثورة، ويناهضون الأسد نتيجة الجرائم التي ارتكبها بحق شعب سوريا، وكذلك تشكل بالنسبة لهم مدينة حلب وما تشهده مأزقا أخلاقيا دفعهم إلى الانتصار لها عبر عدة فعاليات بمشاركة عدة عشرات الآلاف من الأردنيين. الفعاليات المناصرة لحلب، التي تشهد هجمة وحشية من الميليشيات الإيرانية وبغطاء روسي وبمعاونة ما تبقى من قوات الأسد، هتفت مرارا لإسقاط الأسد، فيما جاء أشدها مطلع الأسبوع الحالي، بمسيرة ضخمة، وسط العاصمة، تبعها اعتصام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنيين والحزب الأكبر في البلاد. الحركة الإسلامية الأردنية، وعلى لسان القيادي نعيم الخصاونة، أبدت تفهماً عميقاً لما يجري في المنطقة، إذ تحدثت صراحة عن «سعي المشروع الإيراني للسيطرة على المنطقة العربية والهيمنة عليها»، سواء في سوريا أو العراق واليمن. وقال الخصاونة، أمام «اليوم»، إن «العدوان على أهل السنة، في حلب والموصل، يهدف إلى تغيير تركيبة المنطقة بتواطؤ دولي، وإعادة تشكيلها بما يفضي إلى سايكس - بيكو جديد، يصب في صالح هيمنة روسيا وإيران». ولم يغب عن الحركة الإسلامية تأثيرات ما يجري على الأردن بشكل مباشر، وهو ما يعكس تخوفا حقيقيا، وجد تعبيراته في قول الخصاونة: إن «الأردن يقع في عين العاصفة، ولن نقبل أن تمس حدوده من أي قوة غاشمة، وسندافع عنه جنبا إلى جنب مع الجيش الأردني الباسل». ويتشارك الأردن الرسمي، شأنه شأن الإسلاميين وعموم الأردنيين، المخاوف ذاتها، خاصة في ظل الواقع الميداني شمال البلاد، وتحديداً في الجنوب السوري، الذي تتقاسم السيطرة عليه ثلاث قوى رئيسة: قوات المعارضة السورية المنضوية في «الجيش الحر» وما يعرف ب «الجبهة الجنوبية»، من جهة، وميليشيات إيراني وحزب الله اللبناني، من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة تنظيمات مرتبطة ب «داعش». ويضيف التطور الميداني، في حلب، ضغطاً إضافياً على صانع القرار الأردني، الذي يدرك أن ما يجري في الشمال السوري سينعكس حتماً، بعد انتهائه، على الجنوب، الذي يخضع غالبه للمعارضة وقوى الثورة. فيما يتعزز هذا الضغط، وفق مصدر حكومي رفيع، في ظل تحرش أركان النظام، الذي يتخذ موقفاً مناوئا لعمّان، إلى جانب التحركات الجارية على «الجبهة الجنوبية»، استعدادا لنتائج ما تشهده حلب. وكان وزير الإعلام الأردني د. محمد المومني قد نفى، في حديث أمام «اليوم»، أن يكون هنالك أية اتصالات بين عمان ودمشق لتأمين الحدود الشمالية، مؤكدا أن «قنواتنا مفتوحة مع الجميع لتأمين حدودنا»، وهو ما اعتبره المصدر «أمراً مثيرأً للقلق». وقال المصدر، ل «اليوم»: إن «مربع القرار الأردني، ورغم الجاهزية العسكرية الكاملة على الحدود الشمالية، إلا أن تفصيلات المشهد تفرض مزيدا من الحذر واليقظة». وزاد: «موقف النظام، والميليشيات الإيرانية، يثير قلقا أردنيا، وهذا يلقي بظلاله على عملية اتخاذ القرار في الدوائر الصغيرة».