قال إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد: إن تحقيق الوحدة يسير- بإذن الله- لتوافر أسباب الاجتماع، وسهولة إزالة الموانع وبخاصة في هذا الظرف الذي تكشف فيه مكر الأعداء، ووضحت فيهم توجهاتُهم، وتوظيفُهم لخلافات الأمة، والنفخُ فيها، وتوسيعُ الهوة والفرقة والتناحر، حتى أسالوا الدماء، وفرقوا الديار، ومزقوا المجتمعات. وتابع في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام أمس: «إن الذي يظن أن الأعداء يريدون نصر طرف على طرف من المتقاتلين من المسلمين فعليه مراجعة فقهه في الدين، ورأيه في السياسة، وموقفه من الأعداء، والله الذي لا إله إلا هو إن أهل الإسلام كلهم مستهدفون، ولا يستثنى من ذلك أحد يقول الله تعالى وقوله الحق: (ولا يزالُون يُقاتِلُونكُم حتى يرُدُوكُم عن دِينِكُم إِنِ استطاعُوا) ووالله لن يبقوا على أحد، إنهم يضربون الأمة بعضها ببعض، فلا يظن هذا الذي سكت عنهم، أو سكتوا عنه، أو مدوه ببعض المدد أن الأعداء سيتركونه، إنهم يوقدون النار والفتن بين أهل الإسلام، ويحرضون بعضهم على بعض من أجل تحقيق مصالحهم وحدهم.. إنهم متفقون على باطلهم، فكيف يتنازع أهل الإسلام على حقهم. وقال فضيلته: إن الدين واحد، والكتاب واحد، والقبلة واحدة، والدار واحدة، والمصير واحد.. وإن المسلمين تحيط بهم معية الله وعنايته إذا اجتمعوا على ما أمرهم به من توحيده وحسن عبادته، وكانوا يدا واحدة على من سواهم، وكنف الله ووقايتُه تحفظهم من الأذى والخوف والاضطراب، فإذا تفرقوا زالت السكينة، وأوقع الله بأسهم بينهم، وفسدت أحوالهم. وأكد الشيخ ابن حميد أن التعامل الحق مع أهل القبلة هو السبيل لوحدة الأمة تعامل يقوم على قواعد الشريعة وأصولها المستمدة من نصوص الوحيين، ونهج السلف الصالح ويسع أهل القبلة ما وسع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة الأخيار رضي الله عنهم أجمعين على ما بينهم من منازل، ومقامات متفاوتات، يشملهم جميعا الاصطفاء المدلول عليه بقوله عز شأنه: (ثُم أورثنا الكِتاب الذِين اصطفينا مِن عِبادِنا فمِنهُم ظالِم لِنفسِهِ ومِنهُم مُقتصِد ومِنهُم سابِق بِالخيراتِ بِإِذنِ اللهِ). وقال ابن حميد: إن المسلمين يؤمنون بأن هذه الوحدة المنشودة لا تتحقق بالشعارات والأمنيات، ومجرد الدعوات والادعاءات، وإنما تكون بإيمان الجميع إيمانا لا يدخله شك بأن وحدة الأمة هي ركن الإسلام، وحفظ بيضته، وحفظ أهله، ولا يمكن أن تتحقق أهداف الأمة وغايتاها وأمنها وعلو شأنها وحفظ حرمتها وديارها إلا بها، ولا جهاد على الحقيقة، ولا كسر لشوكة الباطل، ولا إعلاء لكلمة الله إلا بالوحدة واجتماع كلمة المسلمين، ولا تستحق نصرة الله وعونه وتأييده وتسديده إلا بها، وإيثارِها وبذل الغالي والنفيس لتحقيقها، والحفاظ عليها. وأضاف: «إنه بمنهج السماحة النبوية، والحزم والعزم، والرفق والعفو، تأتلف القلوب المتناحرة، وتتقارب النفوس المتباعدة، والله هو المؤلف بين القلوب فإذا تحقق الإخلاص والسمع والطاعة ولزوم الجماعة وحسن النصيحة حينئذ لا يقوى على قلوب أهل الإسلام مرض ولا نفاق لأن إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، هي التي تجمع أصول الدين وقواعد الائتلاف وتجمع حقوق الله وحقوق عباده وتنتظم بها مصالح الدنيا والآخرة». وتابع يقول: ما أنتج الذل والمهانة إلا الفرقةُ والتحزبُ والتعصبُ، وهو الذي أطمع في الأمة أعداءها ومكن من رقابها، وهون أمرها، وجعلهم حجة على الإسلام ومبادئه والفتن تقطع أوصال الدول، وتورث الإحن، لا تقيم حقا، ولا تزيل باطلا، والفوضى هي الباب إلى الظلم والتظالم، والفوضى تورث الفتن، والفتن تؤدي إلى الفرقة، والفرقة تؤدي إلى الهلكة والفناء والوحدة ائتلاف واجتماع، وكل ما ينافي الائتلاف، ويضاد الاجتماع ويوجد النفور فهو الطريق إلى الفرقة والتشتت والتشرذم. وأوصى فضيلته المسلمين بتقوى الله وأن يعلموا أن الأعداء يكيدون لأهل الإسلام شر الكيد، ولا نجاة - بعون الله وتوفيقه - إلا بالوقوف صفا واحدا، فهذا هو الجهاد الكبير، والبعد عن الخضوع أو الركون، وأن أعظم العدة بعد تقوى الله اجتماع الكلمة ووحدة الصف. وفي المدينةالمنورة، تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ عبدالمحسن القاسم في خطبة الجمعة أمس، عن الفرقة في الأمة، موصيا فضيلته المسلمين بتقوى الله عز وجل. وبين فضيلته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر من الفرقة لينجو منها من شاء الله له السلام فقال عليه الصلاة والسلام (إياكم والفرقة)، والله نهى عباده عن التفرق وأوصى الله الأمم بما أوصى به الأنبياء من إقامة الدين والبعد عن الافتراق، وذم سبحانه الفرقة وعاب على أهلها ووصف حالهم بقوله سبحانه (كُلُ حِزبٍ بِما لديهِم فرِحُون). وأوضح فضيلته أن أعظم الفرقة الانحراف عن توحيد رب العالمين لقوله تعالى (ولا تدعُ مِن دُونِ اللهِ ما لا ينفعُك ولا يضُرُك، فإِن فعلت فإِنك إِذا مِن الظالِمِين)، والأحداث في الدين مفارقة لخير المرسلين، والخروج على الأئمة وولاة الأمر ومنازعة الأمر أهله فساد عظيم، وأهل العلم قدوة في المجتمعات وهم أولى الناس بائتلاف قلوبهم واجتماع بينهم والخلاف بينهم داع لعدم القبول منهم، والتفرق في الصلاة وعدم الاجتماع عليها من استحواذ الشيطان.