عندما تواجه الدول تحديات اقتصادية صعبة لا تساعدها على الإنفاق بنفس الوتيرة كما كان في السابق فإنها تلجأ إلى التقشف في عامة المصروفات بناء على إيراداتها المتاحة. وفي دول تعتمد على إيرادات البترول في ميزانيتها يكون التقشف اقسى لأن ايراداته تتراجع بنسبة كبيرة بحوالي 60 في المائة مما كانت عليه قبل عام ونصف. مفهوم «ربط أو شد الأحزمة» يعني التقشف والترشيد في المصاريف على مستوى الحكومة والفرد والأسرة لأن إيرادات الدولة تراجعت عما كانت عليه مما يحتم ويفرض على الجميع الاستغلال الأمثل والأكثر كفاءة للموارد المالية المتاحة. شد الأحزمة أو ربطها يعني الانتقال إلى مرحلة زمنية صعبة من حيث الظروف الاقتصادية مما يستدعي التقشف والترشيد والتكيف مع الظروف والتحديات الصعبة التي تواجه الوطن والمواطن. مفهوم «شد الأحزمة» مرتبط بتحديات اقتصادية غير مألوفة مما يتطلب من الحكومة والمواطن تغيير السلوك الإنفاقي، وذلك حسب المعطيات الحالية والمستقبلية. شد الأحزمة يكون في كفاءة استغلال المال العام المتاح على مستوى الدولة والأسرة والفرد، وذلك بالترشيد في الصرف على تكاليف المشاريع الحكومية ومصاريف الأسرة والأفراد. الحكومة بحاجة لمراجعة تكاليف المشاريع فبعضها متضخم جدا، وذلك لتنفيذها بالرغم من تراجع إيرادات البترول. وتحتاج الحكومة لرقابة ومراجعة وحوكمة دقيقة وفاعلة ونزيهة لتنفيذ المشاريع بمعايير جودة عالية. أما على مستوى الأسرة ممثلة في ربها فيجب أن تكون منطقية في صرفها وأن تكون على وعي باحتياجاتها الأساسية والكمالية لتصرف ميزانيتها طبقا للأولويات والضرورات من غير بذخ أو إسراف. البذخ والتبذير والصرف من غير رقابة حازمة أثناء الأزمات الاقتصادية مؤشر على عدم وعي الحكومة والأفراد والأسرة، وجهلهم بما يجري من أحداث اقتصادية سلبية قريبة وبعيدة تؤثر في مسار الاقتصاد وبالتالي في حياتهم إذا لم يكن الفرد والأسرة على درجة عالية من الرشد والمعرفة بكيفية مواجهة الأزمات الاقتصادية للتكيف معها بحكمة واقتدار. ولا بد لنا من فهم أعمق بمفهوم الكفاءة الاقتصادية للمصروفات لنفهم أهمية الترشيد في زمن الأزمات. الكفاءة الاقتصادية تعني تعظيم الفائدة من خلال ترشيد المصاريف، وهذا لن يكون من غير معرفة ووعي الحكومة والمواطنين بالمال المتاح وأولويات الصرف على المشاريع والخدمات. إن تجميد الترقيات الحكومية والبدلات والانتدايات يؤثر على الدخل الشهري للموظف الحكومي، لذلك لا بد له من إعادة النظر في ميزانية الأسرة، ولا بد للاسرة من الوعي بما يجري وأن تشد الأحزمة سلوكيا في مصروفاتها الاستهلاكية والكمالية. الأسرة والأفراد الواعون بشد الأحزمة والبدائل المتاحة يستطيعون مواجهة الأزمات الاقتصادية باقتدار وحكمة من غير الحاجة للاقتراض من البنوك لسد العجز في دخولهم المالية. وكما يقول المثل العربي «الحاجة أم الاختراع»، لكنني استبدل الاختراع بالإبداع والابتكار ليصبح المثل «الحاجة أم الإبداع والابتكار». المواطن المستهلك المبدع والمبتكر يستطيع إيجاد وتقييم البدائل لسد احتياجاته لتكون متوافقة مع ميزانيته خلال الظروف الاقتصادية الصعبة.