«الرؤية السعودية 2030»، منذ إطلاقها قبل نحو ستة أشهر، حظيت باهتمام من كافة الدوائر في وطننا الغالي وخارجه. الاهتمام لا يعني القبول بالضرورة، فقد أطلقت الرؤية –لا شك- نقاشات لم تنته. وبتطبيق نموذج «التساؤل المُقدر للأفكار» (Appreciative Inquiry)، يمكن تصنيف أصحاب تلك النقاشات لأربع فئات: 1. الباحث عن خطأ، بأن يقول «الفكرة جيدة ولكن..». 2. رافض للفكرة ابتداء: «لا للرؤية». 3. الناقد السلبي: «لا للفكرة، الفكرة ليست جيدة بسبب..». 4. الناقد الإيجابي: «نعم للفكرة، ونستطيع كذلك أن..». من البداية أود أن أصرح لكم بأني من الفئة الرابعة. فقد كنت كالكثيرين، بانتظار صدور توجه استراتيجي طويل المدى يخرجنا من دائرة النفط التي أدمنا عليها لعقود، تتبناه الحكومة الموقرة على أعلى مستوى لإيضاح التوجه الاقتصادي لوطننا الغالي، وهو وطن محوري على أكثر من صعيد، ومن ضمن أكبر 20 اقتصادا. وقد دونتُ انتظاري هذا كتاباً نشرته قبل 12 عاما بعنوان «اصلاح الاقتصاد السعودي». إذاً، أكرر هنا ما قلته قبل ستة أشهر في محاضرةٍ حول «الرؤية السعودية 2030» في «دارة العرب» دارة حمد الجاسر الثقافية بالرياض، في 7 مايو 2016: إن الرؤية «ضرورية وغير كافية»، كما يقول أهل المنطق، فلتحقيقها متطلبات واشتراطات، فصياغة رؤية وطنية والاعلان عنها خطوة أساسية- لا شك- لكن لا بد أن تتبعها خطوات لضمان تنفيذها، بل والإصرار على كفاءة التنفيذ، وبالتالي نجاح الرؤية بأن تتحقق أهدافها وتطلعاتها الوطنية. وتجدر الإشارة، أن للكثير من دول العالم رؤى وطنية، تُضمنها أهدافا طموحة. ثمة بلدان تنجح في تنفيذ رؤاها، وأخرى لا تنجح! فيما يلي أمثلة أهداف بعض البلدان: هدف تركيا: لتصبح تركيا من بين الاقتصادات العشرة الأولى الأكثر تقدماً في العالم بحلول الذكرى المائة لتأسيس الجمهورية (2023). هدف الصين: لتصبح الصين مجتمعاً متمدناً متجانساً ومُبدعاً عالي الدخل. هدف الهند: بحلول العام 2020 سيصبح سكان الهند أكثر عدداً، وأفضل تعليماً وصحةً، وأكثر ازدهاراً مما سبق في تاريخ الهند. ماليزيا: لتصبح ماليزيا بحلول العام 2020 بلداً باقتصاد متقدم ومُنافس يتمتع الناس فيه بجودة حياة عالية ودخل مرتفع كنتيجة لنمو اقتصادي شامل ومستدام. ما تعريف الرؤية الوطنية؟ الرؤية هي النظر لما وراء الأفق، أي للمدى البعيد، لبيان ماذا نريد أن «نُ»، وهي تُوَجه مبادرات التحول حتى تحقق الرؤية. الرؤية هي لقطة للمستقبل، تنطلق من الواقع إلى المستقبل عبر تحديات ومنعطفات وتهديداتٍ وفرص. يتراوح المدى الزمني للرؤية من 15 إلى 30 عاماً. والرؤية هي ما وراء المدى البعيد؛ فأفقها الزمني لا يخضع لأهداف محددة بل لتطلعات. الاستراتيجية: وما دون الرؤية هي الاستراتيجية طويلة المدى، ومداها عادة 10 سنوات بأهدافٍ واضحة قابلة للقياس. الخطة: وما دون ذلك الخطط المتوسطة ومداها 5 سنوات بأهداف قطاعية ومناطقية محددة. هل للدول رؤى أم فقط للشركات والمؤسسات؟ للعديد من الدول رؤى بعيدة المدى، ومن الأمثلة الناجحة للرؤى، والتي عادة ما يُشار لها، الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا. فمثلاً، بدأت ماليزيا في العام 1991 تنفيذ رؤيتها 2020، وكان لها مرتكزات أربعة: تطبيق برنامج التحول، تطبيق ماليزيا واحدة، تطبيق برنامج الإصلاحات الإدارية، تطبيق الخطة الخمسية العاشرة. 2011-2015. ما حاجة الدول لوضع رؤية وطنية؟ الرؤية ضرورة للارتقاء بالأداء، إذ لا يمكن لدولة أن تتحرك بكفاءة دون أن تلتزم بمسار طويل المدى، ولا سيما عندما يتصل الأمر بتحسين أوضاع مواطنيها، والحفاظ على تنافسية اقتصادها وازدهاره. فعند انعدام الرؤية، تنعدم– في حقيقة الأمر- الرغبة لأخذ زمام المبادرة، وتحديد مسار لبز الآخرين والتفوق عليهم، فمن لا يملك هدفاً يعش– بصورةٍ أو بأخرى- على أهداف الآخرين! ولا بد من الاستدراك بالقول إن وجود رؤية لا يعني بالضرورة النجاح، فالعديد من الدول وضعت رؤى ولم تنجح، فالرؤى الناجحة، كما في الأمثلة الثلاثة التي سبقت الإشارة لها، تشترك في عناصر حرجة للنجاح هي: 1. القيادة الحكومية الواعية. 2. صرامة التنفيذ. 3. والسعي لتوظيف النجاح الاقتصادي لتعزيز التنمية والسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي. أما الصعوبة الكبرى عند وضع رؤية وطنية فتكمن في الوصول لتكاتف، فرؤية مَن هي؟ ومع ذلك، فالوصول لتوافق وطني على الرؤية هو دائماً تحد ومتطلب في آنٍ معاً. كذلك يبرز السؤال: هل نحن بحاجة لرؤية؟ قد لا تجد من يقول «لسنا بحاجة لرؤية»، وفيما عدا ذلك فالأرجح أن تجد آراء متفاوتة ومتعارضة فيما يتصل بالأولويات وترتيب تلك الأولويات. ولذا، فالوصول لتوافق وطني على الرؤية هو شرط ضروري حتى يشعر كل مواطن ومسؤول أن الرؤية تمثله، وأنها تحظى بدعمه، وأنها تمثل تطلعه لما يريده مستقبلاً لوطنه. وبذلك فهو «يملكها» من جهة، ويشعر بأنه مشارك في مسؤولية تنفيذها ونجاحها. ولا بد من الإقرار بأن السعي لتكون الرؤية التزاماً وطنياً تملكه الأمة، أمر بحاجة إلى جهدٍ جهيد، لكنه ضروري حتى يصبح التزاماً ليس بوسع الحكومة تجاوزه، أو أي من وزرائها تعديله أو تبديله أو تعطيله إلا من خلال آلية وطنية كذلك. وفيما يتصل بوضعنا المحلي، فعلى الرغم من تعدد المحاولات منذ العام 1970، لكننا لم نحقق رؤانا بالكامل! كما أن تلك الرؤى لم تكن طويلة المدى بما يكفي، فقد بدأنا في العام 1970 بالخطة الخمسية الأولى ونحن حالياً في العاشرة. وفي تلك الأثناء أعلنا منظوراً استراتيجياً حتى العام 2025، وكذلك لم نلتزم بتنفيذه، إذ يبدو أن أولوياتنا لم تكن مستقرة، وإصرارنا على التنفيذ لم يكن كافياً.