لقي مشروع ما سمي بمقاضاة الدول التي ترعى الإرهاب (جاستا) ضجة عالمية ضخمة، لم يسبق أن شهدها أي مشروع قانون أمريكي من قبل، حيث تفاقمتْ ردود الأفعال ضده، سواء من الداخل الأمريكي، أو من المجتمع الدولي، إلى الحد الذي دفع بعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ ممن رضخوا لمنطق الابتزاز الذي وقفتْ خلفه بعض الجهات المشبوهة، والممولة من إيران وإسرائيل، تحت وطأة قرب الانتخابات، دفعهم للإعلان عن ندمهم على اتخاذ ذلك القرار، والذي كان من الواضح أنه يستهدف ابتزاز المملكة على وجه التحديد، والنيل منها، بعد ما فشلتْ كل محاولات ضربها بعديد المؤامرات، وقد أبدى بعض السيناتورات توجسهم من السرعة التي كانت تجري عبرها آليات التصديق لفتح أبواب الإدانة لحليف استراتيجي لم تُثبت كل لجان التحقيق التي أعقبتْ أحداث 11 سبتمبر أن له أية صلة فيها لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى تلك الوثائق ال (28) التي تمّ إخفاؤها فيما مضى بذريعة واهية، رغم إلحاح المملكة ومطالبتها بالكشف عنها، انطلاقا من ثقتها ببراءتها، حيث يبدو أنها كانتْ تُستخدم كالعصا للتلويح بها في وجه المملكة، وحينما تمخض الجبل، وولد ما ولد، أُسقط في يد رعاة الابتزاز من أعضاء لوبيات طهران وتل أبيب في الولاياتالمتحدة لافتعال طبخة (جاستا) والتي من الواضح أنها كانت طبخة فاسدة، أولا لأن مكوناتها كانت غير ناضجة، وتاليا لأنها طُبِختْ على نار ملتهبة مما أفسدها، وأصاب بها بطون ملتهميها، بعد أن اشتم العالم كله رائحة فسادها، لأنها تقوّض أركان السيادة الدولية، وتخلق سابقة خطيرة. فحتى وإن تأذّتْ منها المملكة، فإن الولاياتالمتحدة نفسها هي على رأس ضحاياها، وهو الموقف الذي عبّرتْ عنه الإدارة الأمريكية، قبل أن يسقط الكونغرس بغرفتيه فيتو الرئيس، ويفتح الباب أمام القانون الذي أضرّ أكثر من غيره بسمعة الولاياتالمتحدة، حيث توالتْ الإدانات الدولية من كل حدب وصوب من العالمين العربي والإسلامي، ومن المجتمع الدولي، ومن الشخصيات السياسية، ومن المنظمات الدولية، ومن النقابات المهنية، ومراكز صناعة الرأي في الولاياتالمتحدة وخارجها، وليس كله دفاعا عن براءة المملكة التي تحتل الصفوف الأمامية في الحرب على الإرهاب، لأن براءتها أساسا لم تكن موضع شك إلا لدولتين اثنتين هما الأكثر اتهاما بالإرهاب، وإنما صيانةً لحصانة الدول، واحترام سيادتها حتى لا ينفلت الخيط الأخير الذي يربط الحقوق السيادية للأمم، بعد ما انفرط عقد مبدأ العدالة في معالجة قضايا الأمم باحتواء المؤسسات الأممية، والسيطرة على قرارها لصالح القوى النافذة، مما أضرّ بالعلاقات الدولية، وعدّد مكاييل المعاملات. والآن وبعد هذه الضجة الدولية غير المسبوقة، وفي سياق تململ قاعدة عريضة من المشرعين الأمريكيين، وإظهار بعضهم ندمه على الاستعجال في التصديق، هل يتراجع الكونغرس عن تبني هذا المشروع، ويعاود إغلاق ذلك الباب الذي يؤدي إلى محو الحصانات، وإدخال العالم كله في نظام غاب جديد لن تبرأ منه أمريكا ولا غيرها، فكل طرف لديه ما سيقاضي به الآخر؟. هذا ما سيقرره العقلاء، وما ستكشفه الأيام.