على بعد 70 كلم من العاصمة الإدارية للمنطقة الشرقيةالدمام تقع محافظة رأس تنورة والتي تبلغ مساحتها حوالي 290 كيلو مترا مربعا، فيما يبلغ عدد سكانها حسب إحصاءات سابقة حوالي 43 ألف نسمة، وتبرز أهمية رأس تنورة كونها تحتضن ضمن منطقتها أحد أكبر مصافي النفط في العالم، فضلا عن مينائين لشحن النفط، وتعود أسباب تسمية رأس تنورة بهذا الاسم إلى أنها على شكل رأس ممتد في البحر إضافة إلى وجود دوامة بحرية أشبه ما تكون بالتنور، أما المدينة فقد كانت تحمل اسما آخر وهو « رحيمة « ومازالت معروفة به حتى الآن، ويعود اسم رحيمة إلى أن موظفي شركة أرامكو في ذلك الوقت أقاموا منازلهم بجانب ( عين رحيمة )، وكذلك إلى أن الأسماك كانت تعلق بالشعب المرجانية في المد والجزر، فيما كان السكان يأتون لاصطيادها بكل يسر فسميت رحيمة لرأفتها بالصيادين، وفي هذه الحلقة من ملف الطبقية الاجتماعية كانت لل « اليوم « زيارة خاصة لهذه المدينة، وذلك بغية التعرف على نمط الحياة فيها والعلاقات الاجتماعية بين الأهالي بين حيين من أحيائها وهما الدانة والسمحان، ومن منطلق التباين الكبير في المظهر العام بين جهتي حي الدانة شرعنا في المقارنة بين الأنماط المعيشية وأسلوب الحياة والعلاقات الاجتماعية بين الأهالي الذين يعيشون في كل منهما، .. معلومات أكثر على لسان بعض أفراد المجتمعين المتجاورين في هذه المادة .. فإلى مجمل التفاصيل : الجهة الشرقية «حي الدانة» بدأت جولتنا بالجهة الشرقية من حي الدانة - القريب من السوق - والذي يعتبر أحد أقدم الأحياء بمدينة رأس تنورة، وتكثر في المنازل القديمة والشوارع الضيقة، وهناك ممرات للمشاة بين المنازل التي لايستطيع السكان الوصول لمنازلهم إلا من خلالها، ومن خلال الجولة بالجهة الشرقية من حي الدانة .. وفي تلك الشوارع الضيقة التقينا عادل عامر الكثيري - 52 عاما - الذي قال :» أسكن هنا منذ 45 عاما، وقد عايشت أنماط حياة مختلفة تغيرت مع مرور الوقت، فالحياة هنا قبل 15 عاما ليست كما هي عليه الآن، في ذلك الوقت كنا أكثر ترابطا وأكثر تواصلا، والناس كانت تحرص على زيارة بعضها، كما كانت تتناوب في استقبال الجيران من وقت إلى آخر، وحتى شهر رمضان كان له ميزة خاصة في الاجتماعات والتواصل وقضاء أوقات أقل ما أستطيع أن أصفها بأنها جميلة، وكم أشتاق إلى ذلك الوقت الجميل، أما الآن فالتواصل بين أهالي الحي أصبح أقل من ذلك الوقت، وذلك يعود لعدد من الأسباب .. منها طبيعة محافظة رأس تنورة على وجه العموم، فهي منطقة أعمال ومعظم سكانها جاءوا هنا للعمل، مما أضعف الحياة الاجتماعية نسبيا، لكن لا أنفي تمسك بعض الأهالي من رجال ونساء بما كانوا عليه في السابق من زيارة للجيران والتواصل مع بعضهم، فيما هم متمسكون بمقولة ( الجار للجار )»، واستكمالا للاستطلاع حدثنا أحد قاطني الحي ناصر إبراهيم العتيبي - 47 عاما - عن محاور موضوعنا قائلا : « أسكن هنا منذ 30 عاما، والآن متجه لزيارة أحد الجيران الذي اعتدنا على زيارته والاجتماع به، لكن للأسف كثيرا من جيراننا انتقلوا إلى مدن ومناطق أخرى، فمنهم من انتقل إلى الظهران، ومنهم من انتقل إلى الرياض أو الخفجي أو حائل، وذلك بعد تقاعدهم من العمل هنا، فكل واحد منهم عاد إلى أهله ومدينته التي جاء منها بعد انتهاء فترة عمله، ولم يبق منهم سوى القليل، لكن مازلنا متمسكين بالاجتماع فيما بيننا رغم قلته وانشغال كل منا بعمله وأسرته، ولايخفى عليك ان غالبية سكان المدينة أتوا من خارجها للعمل سواء مدنيين أو عسكريين، فهي منطقة عمل بالدرجة الأولى، ونزوح عدد من سكانها الأصليين أضعف الحياة الاجتماعية فيها قليلا، وكذلك هناك أسباب أخرى أثرت على الحياة الاجتماعية هنا وهي سكن العمالة الوافدة داخل الحي بين العائلات مما دعا بعض الأسر للانتقال إلى مكان آخر، وكذلك عدم رغبة القادمين من خارج المدينة للسكن في هذا الحي بسبب انتشار العمالة الوافدة فيه بشكل كبير، وبالنسبة لي فأنا متمسك بالسكن داخل الحي لمعرفتي وعلاقتي الوطيدة مع من تبقى من جيراني الذين تربطني بهم علاقات طيبة، ولن أنتقل للسكن في حي آخر مادام عملي هنا، ولا أفكر بالانتقال إلا بعد تقاعدي عن العمل، حيث أفكر بالانتقال في ذلك الوقت للعيش عند أقاربي وجماعتي بحثا عن ترابط وتواصل اجتماعي أفضل» الجهة الغربية «حي السمحان» وفي الجهة الغربية من حي الدانة يقع (حي السمحان)، وهناك التقينا بسعيد الزهراني فحدثنا عن محاور موضوعنا قائلا : «كما تعلم ويعلم الجميع، فإن هذه الجهة من الحي جهة ناشئة حديثاً، وغالبا ما تتصف الأحياء الحديثة بالهدوء، وهذا قد يعتبره الكثير ميزة، لكن هذا الهدوء أفقد الحي حيويته ونشاطه على المستوى الاجتماعي، ولا أستغرب أن أجد أشخاصا لا يعرفون جيرانهم، أو أنهم ليسوا على علاقة بهم ، الكثير منا بات يهتم فقط بالمناسبات الرسمية كالأعياد والأفراح وغيرها. حي السمحان من الأحياء الحديثة التي تتصف بالهدوء وفيما عدا ذلك فالتواصل يعتبر ضعيفا نسبيا، ومعظم سكان الحي ممن يعملون في رأس تنورة غالبيتهم من الطبقة المتوسطة وميسورة الحال، لكن ضعف الترابط الاجتماعي وانحصاره فقط في حدود العائلة الواحدة والأقارب هو ما يعيب الأحياء الحديثة، والجدير بالذكر هو دور محافظ رأس تنورة في تنشيط التواصل والترابط الاجتماعي من خلال حفل المعايدة السنوي لأهالي رأس تنورة، الأمر الذي أتاح الفرصة للجميع للالتقاء والتعارف»، وكذلك التقينا بأحد سكان الحي المعروفين وهو ناصر بن محمد السلة - 56 عاما - والذي تحدث عن نمط الحياة والترابط الاجتماعي بين أهالي الحي قائلا : «لم يعد التواصل بين الناس كما كان في السابق، حتى على مستوى الأهل والأقارب، وهذا لا يعني أنه معدوم، ونرجو أن نفعله أكثر لما في ذلك من مصلحة للجميع، وهذا يعزز من الترابط ويقويه بين الجيران، ويزيد الألفة بينهم، فالخير موجود ولله الحمد ولكن الظروف اختلفت وانشغال الناس بأعمالهم كان له الأثر الأكبر، لكن هذا لن يجعلنا نقف مكتوفي الأيدي، فالمبادرة شيء جميل، ومن خلال لقائنا بالمسجد مع سكان الحي بادرنا (نحن جماعة المسجد) في وقت سابق واتفقنا على أن نجتمع في بداية كل أسبوع عند أحدنا بين صلاتي المغرب والعشاء وبشكل دوري، مما يتيح الفرصة للجميع للتعارف والتواصل وتعزيز علاقاتنا ببعضنا نحن الجيران، ولقد صعَب من مهمتنا كثرة الشقق الاستثمارية في الحي، فكل فترة وأخرى يرحل مستأجر ويأتي آخر جديد مما جعلنا نرى سكانا جددا بشكل مستمر، وهنا أو في أي مكان آخر ستجد نفس الحياة المجتمعية، فسكان حي الدانة أو سكان رأس تنورة على وجه العموم جزء من هذا المجتمع الكبير الذي يتشابه في أنماطه المعيشية، ويتأثر كذلك بالكثير من المؤثرات التي تضعف الجانب الاجتماعي».