يقال أن كلمة « دمام « مشتقة من ( الدمدمة ) إذا صح التعبير، ويأتي هذا المسمى من قرع الطبول أو الدف لتقليد كان لازما عند استقبال العائدين من البحر، وذلك على اعتبار أن دم الطبول كان بمثابة المنارة البحرية التي يستدل بواسطتها البحارة الموقع الصحيح لمرساهم، فيما يكون « الدمام « أو قارع الطبول منارة بحرية صوتية للقادمين من البحر!!، .. وقد بدأت مدينة الدمام بالتكوين في بداية الثلاثينات الميلادية، وأول من سكنها هم بعض بطون الدواسر الذين هاجروا إليها بطلب إلى الملك عبدالعزيز يرحمه الله بينما كانوا يسكنون الرفاع الغربي في جزيرة « دلمون « التي هي مملكة البحرين الشقيقة حاليا، ومنذ ذلك الوقت والهجرة من كل أرجاء المملكة إلى الدمام لم تنقطع لاسيما بعدما تأسست شركة أرامكو السعودية، وبعدما بدأت فرص العمل تتزايد بوتيرة أسرع عن باقي مناطق الوطن، وبالتالي تشكلت في الدمام خريطة سكنية يمثلها أحياء متباينة قليلا في النمط المعيشي، فكانت هناك أحياء تمثل حاضرة الدمام .. فيما يجاورها بعد سنوات معدودة أحياء جديدة تمثل نزوح الحاضرة الأولى إلى موقع آخر وربما مجاور، ومن خلال التطور السريع في تكوين هذه المدينة مدنيا وبالتالي مجتمعيا .. نشأت فروق كبيرة جدا وملفتة في السلوك الاجتماعي بين مجتمع حي قديم وبين جاره مجتمع الحي الحديث، وفي هذه الحلقة سوف نتناول أوجه الاختلاف في العلاقات الاجتماعية بين مجتمع حي الروضة 37 و77 ومجتمع حي القادسية ( مخطط 8 سابقا ) .. فإلى مجمل التفاصيل : حي القادسية ( مخطط 8 ) نشاطات بلا مقومات في مخطط 8 . يقع حي القادسية مخطط 8 سابقا خلف مجمع ابن خلدون بلازا على طريق الملك فهد بمدينة الدمام، ويعتبر هذا الحي من أقدم الأحياء في الدمام إذ يرجع عمر الحي إلى أكثر من 30 سنة، حيث كان منطقة رملية، كما كانت بيوته عبارة عن «صنادق»، ثم بعد ذلك وزعت أرضه بصفة منح للأهالي من ذوي الدخل المحدود، وفي سياق بحثنا عن مدى الترابط الاجتماعي بين سكان الحي كان لنا عدة لقاءات بعدد من سكان الحي، فتحدث في البداية أحد سكان الحي إبراهيم حقوي متقاعد فقال :» أسكن في هذا الحي منذ أكثر من 33 سنة، ولم أفقد الترابط الاجتماعي بين سكان الحي طيلة سنوات عمري هنا، وذلك من خلال زيارة الجيران .. العلاقات الاجتماعية بين أهالي الحي متينة وقوية في غالبيتها، ومجلس أهل الحي يجمعهم لكي يطلعوا على أحوال بعضهم، ويتفقدوا المحتاجين منهم ويقدموا لهم الخدمة المطلوبة، وذلك بالتعاون مع التنمية الاجتماعية بالحي التي تقدم خدمات جليلة لأهله، فتقدم المساعدات للأسر الفقيرة ، وتنظم الرحلات لشباب الحي، وتقيم الدورات الرياضية لهم، وعدد من الدورات تدريبية لخدمة شباب الحي بل هناك تواصل بين الجيران في زمن افتقد الجار جاره، وإذا لم يكن هناك تواصل فإنها من أصحاب البيوت المملوكة التي تحولت لعقارات تجارية، فساكنوها تجدهم لا يحتكّون بأفراد الحي لأن إقامتهم ليست دائمة»، ويؤيد أحمد جابر ما جاء به حقوي وأضاف :» رغم معاناة أهالي حي القادسية من بعض المشاكل في البنية التحتية وافتقاره للترتيب والتنظيم .. إلا أن العلاقات الاجتماعية بين أهالي الحي متينة وقوية في غالبيتها، فهناك مجلس أهل الحي الذي يجمعهم لكي يطلعوا على أحوال بعضهم، ويتفقدوا المحتاجين منهم ويقدموا لهم الخدمة المطلوبة، وذلك بالتعاون مع التنمية الاجتماعية بالحي التي بدورها تقديم خدمات جليلة لأهله، فتقدم المساعدات والرحلات لأهل شباب الحي، وكذلك إقامة الدورات الرياضية، ودورات تدريبية تخدم شباب الحي وذلك لمّا شعر الأهالي أن شبابهم في فترة من الفترات دخله عالم الجرائم»، وحول الموضوع تحدث عمدة الحي سابقا حمزة الشهري فقال :» يعتبر حي القادسية من الأحياء التي يتكون مجتمعها من ذوي الدخل المحدود، وكذلك تعتبر نسبة الترابط الاجتماعي متفاوتة ما بين نقطة وأخرى داخل الحي .. وذلك بسبب ضيق البيوت وقلّة الدخل المادي، ولأن الكثير من المشاكل دخلت هذا الحي مؤخرا فقد أصبح من الأحياء غير المرغوب فيها، الأمر الذي أجبر بعض الأهالي إلى بيع بيوتهم والانتقال إلى الأحياء الأكثر أمنا «، وعن مجلس الحي واجتماع الأهالي قال الشهري :» هناك علاقات قوية بين الأهالي من خلال مجلس الحي الذي يتفقد أهله ويقدم المساعدات للمحتاجين منهم، كما أن الأهالي يجتمعون في المناسبات العامة والأعياد في بيوتهم وفي أماكن عدة من الحي «
حي الروضة ( مخطط 37 ) حديقة حديثة تجمع ساكني حي الروضة. يقع حي الروضة بالدمام بالجهة المقابلة لحي القادسية، فلا يفصل بينهما سوى شارع واحد فقط، ويعتبر حي الروضة من الأحياء المتطورة في مدينة الدمام، ويسكن الحي من الطبقة ميسورة الحال بالمجتمع وكذلك المتوسطة، ويحتل هذا الحي مساحة كبيرة، فيما يرجع تاريخه إلى أكثر من 20عاما، ويسكن القضاة منطقة المشايخ التي هي جزء تم دمجه مع الحي ليسمى ( حي 37 )، وقد تغيّر هذا الاسم مؤخرا إلى ( حي الروضة )، وحول النمط المعيشي ومدى الترابط الاجتماعي لأهالي الحي التقت « اليوم « بعدد من أفراد الحي برئاسة الشيخ محمد الخميس مدير مركز التنمية الاجتماعية بالحي، وذلك من خلال اجتماع يقيمه المركز لأهالي الحي .. هناك ديوانية خاصة تقام لجماعة جامع الخلف بحي الروضة، وتقام في يوم الاثنين مرة واحدة كل شهر، ويتم الاجتماع مع إمام المسجد لتدارس أوضاع الحي، مع إقامة بعض المسابقات الترفيهية الخفيفة وهذا بحد ذاته رابط قوي لكي يتعرف أهل الحي على بعض وإنشاء علاقات اجتماعية ويقام يوم جمعة مرة كل شهر وذلك بهدف الاطلاع على أهم مستجدات الحي، كما يقوم المركز بدور رئيس في اجتماع أهالي الحي في الأعياد والمناسبات العامة، وقد حضرت « اليوم « أحد اجتماعات المركز، وطرحنا بدورنا على المشاركين في الاجتماع محور موضوعنا، فتحدث في البداية محمد العصيمي أحد سكان الحي فقال :» الترابط الاجتماعي بين أفراد الحي ضعيف نسبيا، وأرجع السبب في ذلك إلى ارتباط الناس بأعمالها، فهناك الطبيب والمهندس، وهناك ممن يعملون بالشركات التي تأخذ وقتهم كله، الأمر الذي أثّر سلبا بكل تأكيد على لغة التواصل بين أفراد المجتمع في هذا الحي، واختلفت بطبيعة الحال أساليب النمط المعيشي بين الأهالي لاسيما كون الحي يضم عائلات من قبائل متعددة، كما أشاد العصيمي بدور إمام مسجد الحي ويقول : كان له دور كبير في تعميق أواصر الترابط الاجتماعي بين سكان الحي من خلال زيارة المرضى منهم وكذلك مشاركتهم في جميع المناسبات بشتى أنواعها ، كما أشار آخرون إلى أن نساء الحي أكثر في التواصل بينهن من خلال الزيارات واجتماعهن في حديقة الحي، وهذا يدل على أنه مازال الترابط الاجتماعي قويا بين نساء الحي أكثر من الرجال»، وفي السياق ذاته يرى طلال الأحمري أن المستوى المادي هو السبب الرئيس في عدم الترابط بين أفراد الحي، ويقول في ذلك :» انصرفت قلوب الناس عن العاطفة وعن صلة الرحم والتراحم فيما بينهم، وكذلك في التواصل الاجتماعي، كما تسببت المادة والبحث عنها في غياب الكثير من القيم لاسيما وأن حي الروضة يعتبر من الأحياء الكبيرة في الدمام ويضم الكثير من شرائح المجتمع المختلفة»، ومن جهته يرى راشد الدوسري أنه من المفترض أن يكون هناك من يقوم بالنصح والتوجيه والإرشاد في التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، كأن يكون التواصل منبثقا من الجامع أو أحد المساجد في الحي، فأنت تعرف جارك من خلال المسجد .. وكذلك فمن خلال المسجد يتم الترابط بين أفراد المجتمع في الحي»، وتحدث مسفر القحطاني يسكن في جهة أخرى من الحي فقال :» هناك ديوانية خاصة تقام لجماعة جامع الخلف بحي الروضة، وتقام في يوم الاثنين مرة واحدة كل شهر، ويتم الاجتماع مع إمام المسجد لتدارس أوضاع الحي، مع إقامة بعض المسابقات الترفيهية الخفيفة، وهذا بحد ذاته رابط قوي لكي يتعرف أهل الحي على بعض وإنشاء علاقات اجتماعية «، وللموضوعية فإن مركز التنمية الاجتماعية بحي الروضة يحل محل العمدة، كما يقدم العديد من المشاريع الاجتماعية والبرامج والأنشطة والفعاليات التي تخدم الحي وأهاليه، كذلك يقدم المركز الكثير من البرامج الترفيهية، ومنها الرحلات للمتقاعدين من سكان الحي، بالإضافة إلى برامج تربوية وتدريبية لشباب وفتيات الحي، وأكاديمية للمواهب، فضلا عن حلقات تحفيظ القرآن الكريم لأطفال الحي، ويقدم المركز مشاريع اجتماعية، ومنها لجنة إصلاح ذات البين، ومشروع الزواج لأبناء الحي، وإقامة نادي رياضي بالتعاون مع أحد الأندية الرياضية، الأمر الذي يحاول بكل جديّة تعزيز قيم الترابط الاجتماعي بين أهالي الروضة .