عن (منشورات ضفاف) ببيروت صدر ديوان شعر بعنوان (عني عن الليل) بطبعته الأولى عام 2014م للشاعر/ فيصل الجبعاء. ويقع هذا الديوان في حدود 120 صفحة من القطع العادي، تضمنت مجموعة من النصوص الشعرية، بشكليها (الشكل العمودي أو التناظري، والشكل التفعيلي أو الحر). ومن أهم ما تتميز به لغة هذا الديوان هو قيام شاعره بالجمع فيما بين استيعاب واستلهام الموروثين: الشرعي والاجتماعي، وتأثره بهذين الجانبين تأثرا واضحا، مما جعل لغته قوية، متينة، وذات دلالات بلاغية مؤثرة، لاستنادها اما على (الاقتباس) من القرآن الكريم، أو على (التضمين) أو ما يعرف ب (التناص) الذي يعني - كمصطلح في علم النقد الأدبي الحديث - الاستشهاد بما هو مشهور من الأقوال والأشعار والحكم المأثورة عن حكماء العرب وشعرائهم وبلغائهم القدامى. ومن الأمثلة على تأثره بلغة القرآن الكريم قول الشاعر من نص له، جاء تحت عنوان (حديث من محراب الليل): (لا يسأل الناس الحافا وحاجته ان كان في صدره قلب فأنفقه). الديوان: ص77. وقوله هذا مستوحى مما جاء في (سورة البقرة) في الآية رقم 273 كما هو معروف. كما يتمثل لنا هذا الجانب أيضا بتأثر الشاعر بالقصص القرآني، وهذا شائع بكثرة في نصوص الديوان، كقوله من نص بعنوان (النار تأكل من ظنوني) إذ يقول: (هز الظلام الكون حتى الكون نام وأنا هناك أهز جذع الليل لكن لم يساقط لي نعاسا كي أنام الديوان: ص19. ففي هذا النص - كما مر بنا أعلاه - تأثر واضح بقصة السيدة (مريم) عليها السلام، كما ورد ذكرها في (سورة مريم). أما فيما يخص (الموروث أو التراث الاجتماعي)، فهو أيضا قاسم مشترك بين كثير من النصوص التي ضمها الديوان بين دفتيه. وكثيرا ما يتعامل شاعر الديوان مع هذا الجانب بذاكرة الماضي وتذكره ومعالجته فنيا، وكأنه يقارن بين اليوم والأمس، ويستحضر بمخيلته تلك التغيرات التي طرأت على مظاهر الحياة الاجتماعية التي مر بها انسان (الخليج العربي) خاصة تلك الفترة التي سبقت الطفرة الاقتصادية الحديثة للمنطقة، والمتمثلة -أساسا - في ظهور (البترول) وتغير نمط حياة الانسان العربي الخليجي عما كان في السابق نتيجة هذه الطفرة، وتحوله من البداوة إلى التحضر والتمدن! وكمثال على ذلك، النص الذي جاء بعنوان (حديث البحر والبدوي) اذ يقول: (جئت الخليج.. ورحل راحلتي متاع من هموم وزرعت كف كآبتي في خد ساحله السعيد... متسائلا: «من أنت؟» رسخ غربتي..! من أنت يا رب البعير؟ من أنت؟ فالأعراب لا يتكلمون مع البحار بك سمرة الصحرا وحرقة شمسها لكن بصوتك نبرة الملح الكئيب عيناك حمراوان.. قلت مقاطعا: لا.. انما هذي انعكاسات المغيب). الديوان: ص114.