عن (منشورات ضفاف) بلبنان صدر حديثا للعام الحالي ديوان شعر جديد بعنوان (أكثر من ذاكرة) للشاعر والكاتب والإعلامي محمد عابس. يتضمن هذا الديوان الواقع في 126 صفحة من القطع العادي مجموعة كبيرة من النصوص الشعرية، التي كتبها الشاعر، مستخدما الشكل (التناظري) حينا والشكل (التفعيلي) حينا آخر، دون مفاضلة بين هذين الشكلين الرئيسين للقصيدة العربية، ودون تحديد أولوية معينة لتقديم أحدهما في الديوان على الآخر. وتتسم تجربة الشاعرمحمد عابس - كما يعرفه المتابعون للشأن الشعري لدينا - بأنه شاعر ذو تجربة شعرية طويلة، وغنية بأبعاد كثيرة، أهمها: أنه ظهر خلال تلك الفترة الزمنية التي كانت شبيهة ب (فترة انتقالية) فيما بين جيل الرواد من (الشعراء السعوديين) و(جيل الحداثة) منهم، أي في مطلع أو بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الميلادي الماضي، لذلك جاء هذا التنوع - كما وكيفا وشكلا ومضمونا - في تجربة (عابس) الشعرية بحيث أمكنه الاستفادة من سابقيه ومعاصريه من أولئك الشعراء، فأخذ من جيل الرواد قوة اللغة وأصالتها ورصانتها وتماسكها. كما استفاد من المحدثين أيضا في الوقت نفسه، واحتكاكه بهم مباشرة في اكتشاف الروح المعاصرة للغة الشعر، وكيفية صياغتها في قوالب وأشكال جديدة، قادرة على استيعاب هموم الناس والمجتمع العصري الحديث، والتعبير عنه بالشكل والأسلوب المناسبين، لذلك كان هناك فارق كبير وملاحظ بين التواريخ التي كتبت خلالها نصوص هذا الديوان، اذ يعود تاريخ كتابة بعضها الى ما يقارب ثلاثين عاما، بينما بعضها مؤرخ أو موقع بتواريخ أحدث من ذلك، والآخر منها وقعه الشاعر بتواريخ حديثة جدا. ولعل ما قلناه عن النصوص من حيث الشكل وتنوعه نستطيع أن نقوله: أيضا عن تعدد مضامينها، فهي تتناول أغراضا شعرية شتى، وان غلب على معظمها الطابعان الوجداني والغنائي. فضمن نص (تفعيلي) جاء بعنوان (عندما) يأتي قوله: (عندما تعصر الآهات قلبي، عندما تعزف الغيمات حبي، تحتويني فيضانا وتعزيني بسيل. وأنا المفتون ضوءا كيف يستهويه ليل). الديوان: ص20. وفي نص (عمودي أو تناظري) له بعنوان (رحيق المدى) يأتي قوله: (هو الحب يجري في العروق عذوبة سقاها حبيبي للندى وهو أعذب اذا ما ارتوى بالوصل أزهر عامه بسيط لمن يهوى، وفي الرفض أصعب). الديوان: الديوان: ص63. وفي نهاية الحديث عن هذا الديوان وشاعره، أقول: إن (اكثر من ذاكرة) هو في الحقيقة ذاكرة شعرنا الجميل بقديمه وحديثه، وأشكاله ومضامينها، فهو شامل لها جميعها!.