«القلطة»: حوار شعري يقوده شاعران أو أكثر بين صفين من المرددين، يدور الحوار الشعري حول الوصول عبر تنامي معانٍ جزئية وقتية «تكتيكية» إلى المعنى «الاستراتيجي العام» المخفي عن الحضور وعن الشاعر المقابل أيضا، وربما اتفق عليه الشعراء المتحاورون سلفا أو محددا كما في محاورة المسابقات لمعرفة قدرة الشعراء وهو موجه لفئة الشباب.. على الرغم مما طرأ على آلية المحاورة الشعرية من تغيرات، مثل حركة لعب الصفوف والمواويل ودخول بعض الآلات الموسيقية كالنقر على «الزير» والدفوف، إلا أن هيكلتها الأساسية ما زالت قائمة. وعند متابعة إحدى هذه الجولات الحوارية الشعرية «الناضجة» نجد أنها تتألف من عدة مراحل «التمهيد، التكتيكات، الاستراتيجية» فأما التمهيد فيبدو في مدخل الشعراء مع بداية القلطة، وإن كان بعضها يأتي هجوما قويا إلا أن ذلك الأسلوب يعتبر احد أشكال التمهيد ويُعرف بالصدمة الأولى وهو أيضا مقدمة للمناورة، أما التكتيك فهو التخطيط المرحلي ويتحول إلى تنفيذ شعري ببن المتحاورين يتراوح بين الحدة واللين، وفقا لقوة الشعراء ومدى التنافسية بينهم وأهمية الموضوع، على أن تترابط الأبيات التكتيكية في التراكيب البنائية والفنية؛ ليتحقق ما يسمى بالتنامي الشعري لاكتمال النص الحواري، وبالنسبة للهدف الإستراتيجي الذي من حوله ومن اجله قامت هذه «القلطة»، ويُعنى به المعنى العام الذي تحتدم حوله الملاسنة الشعرية وتتقلب الأمزجة وتتفاوت ردود الأفعال ليس لدى الشعراء فقط ولكن قد تصل للجمهور أيضا.. ومن الطرائف أنك تجد التحليل من قبل الحضور، وغير المبني على شيء الا هوى بالنفس أو اجتهاد شخصي، سواء للمتضمن في الجمل الشعرية التكتيكية - خاصة مع احتدام التحدي وارتفاع وتيرة الحوار- أي المعاني الجزئية وكذلك معنى الشعراء المتحاورين العام.. وهناك من المفردات والجمل الشعرية المتعارف عليها تنتشر بين شعراء القلطة «الفتل، النقض، اللعب، الغنا، الشلله، المسرى، شاب القاف، غادي...» وهكذا. ومما يعاب على بعض شعراء القلطة، تقصد المعايب العامة لموقف شخصي، ضعف الشاعرية والاعتماد على المعنى مع إهمال جودة الشعر، ميكافيلية المبدأ، الوصولية، هيمنة المال على كل شيء حتى على الشعر وبالذات شعر المحاورة الذي يميز شعراءه بالتلقائية وسرعة البديهة وقوة الحافظة.. هذا شيء بسيط عن هذا الفن الشعري، والذي اشتهر به شعراء الحجاز، وانتشر في أنحاء الجزيرة العربية؛ ليخلد لنا تاريخه شعراء أفذاذا لا يمكن ان نفيهم حقهم نظير ما قدموه من مخزون شعري لا يزال منهلا عذبا ترتوي منه الأجيال القادمة المهتمة.. مما قاله أحد عمالقته الشاعر عبدالله بن مستور المسعودي الهُذلِي ردا على العملاق الآخر الشاعر محمد بن شريف الجبرتي السلمي... تبا تنفخ وانا بنفخ ومن يطبخ بغير قدور وعينك ما تشوف الا بطن ذيب ولحم جني نصيحة: لا أحد يقول معناه كذا أو كذا، فالمعنى في قلبي الشاعرين رحمهما الله.. شعراء المحاورة حققوا جماهيرية عريضة