فَيا عجباً لمن ربَّيتُ طفلاً أُلقِّمُهُ بأطرافِ البَنانِ أُعلّمهُ الرِّمايةَ كلَّ يوم فلمَّا اشتدَّ ساعِدُهُ رَماني «معن بن أوس المزني» كان تعريف الذكاء الاصطناعي الذي قدمه لنا «آلان تورينغ» منذ أكثر من نصف قرن، هو عدم القدرة على التفريق بين الإنسان والآلة عند التحدث معهما. واليوم هناك مجالات تقدم فيها الذكاء الاصطناعي بشكل مذهل. فبرامج التعرف على الوجوه، وفهم الكلام قد وصلت إلى ما يقرب من القدرات البشرية. وتمكن منتج «آي بي إم» المسمى «واتسون» من تشخيص بعض أنواع السرطان أفضل من أي طبيب بشري. وليس بعيدا أن تحل تطبيقات الذكاء الاصطناعي محل المختصين البشر في قراءة وتحليل النتائج المخبرية وصور الأشعة بمختلف أنواعها. وبالرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقوم ببعض المهام أفضل من الإنسان، فإن الكثير يعتقد أن تفكير الإنسان المعقد بشكل هائل، جعل منتجات الذكاء الاصطناعي حتى اليوم عاجزة عن مجاراة الإنسان في قدراته العقلية، ناهيك عن مشاعره وأحاسيسه. ومع ذلك، فهناك جهود قائمة لتصنيع أجهزة تملك الحواس الخمس التي يملكها الإنسان. وسوف نرى قريبا الطرق السريعة بالدول المتقدمة تعج بالسيارات التي تسير بدون سائق. وربما تمتلئ السماء بطائرات صغيرة بدون طيار. فاليوم تسارع شركات مثل غوغل وتيسلا على انتاج سيارات كهربائية بدون سائق. وقد تم تجربتها فعلا في بعض البلدان. وعندها قد لا نحتاج إلى وضع مطبات اصطناعية أو حواجز إسمنتية لأن هذه السيارات أكثر انضباطا وأمانًا من بني البشر، وسيقود ذلك إلى إفلاس «ساهر» وتضرر شركات التأمين بالتأكيد. ما هو متوقع قريبا، هو أن تكون كل الأجهزة التي نتعامل معها ذكية. فالسيارة ذكية، تقودك لوحدها لمبتغاك عبر الطريق الأسرع والأسلم، ثم تعود إليك عند طلبها لتقلك إلى وجهتك الأخرى. والإنسان الآلي في بيتك يقوم مقام الخادم ويؤدي بعض المهام دون أن تطلب منه. والثلاجة التي في بيتك تخبرك عن الأطعمة التي فسدت أو شارفت على انتهاء صلاحيتها. وفرشاة أسنانك تخبرك إذا كان لديك تسوس في أسنانك. ونظارتك تعلمك إذا كنت بحاجة إلى فحص نظرك. وهاتفك الجوال يعرف مزاجك ووضعك النفسي، ولديه اطلاع على كل المؤشرات المهمة في صحتك كضغط دمك ونبضات قلبك ونشاطك البدني. وقد لا تحتاج أن ترى طبيبا في حياتك بوجود أجهزة طبية ذكية تقوم على تحليل بياناتك وتقييم وضعك الصحي ومعالجتك. وكل هذه الأجهزة تجمع عنك معلومات ضخمة بشكل يومي، وتتعلم بذاتها مع مرور الوقت فيتحسن أداؤها. وتتبادل هذه الأجهزة المعلومات فيما بينها. وقد تغتابك وتتندر عليك فيما بينها. هذا الترابط بيننا وبين هذه الأجهزة الذكية سوف يقدم الكثير من الفائدة والمتعة. ولكن في الوقت نفسه سيعرضنا لمخاطر أمنية واسعة. فأبحاث الذكاء الاصطناعى بشركة غوغل قد تبعث على القلق بشكل خاص بسبب كمية البيانات التي تجمعها غوغل من مستخدميها. وهذا التخوف جعل العديد من الخبراء وكبار المديرين التنفيذيين في المنظمات التي تعنى بالتقنية إلى التحدث علنا عن الآثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي. في كل مرة نكتب كلمة في محرك البحث في غوغل وننقر على الرابط المعطى، فنحن ندرّب الذكاء الاصطناعي في غوغل. فَلَو كتبت مثلا في شريط البحث «صحراء الدهناء» ونظرت إلى نتيجة البحث من الصور، ثم نقرت على أقرب صورة تراها تمثل صحراء الدهناء، فأنت تدرّس غوغل من حيث لا تدري عن شكل كثبان صحراء الدهناء. فهناك 12.1 بليون سؤال يكتبه 1.2 بليون شخص على محرك البحث في غوغل يوميا، تقوم على تعليم المحرك وتطوير أدائه بشكل تراكمي وعميق. فسؤالك الذي سألته بالأمس، تجد عنه اليوم جوابا أفضل، وذلك ليس لأن الإنترنيت احتوت على معلومات جديدة بالضرورة، ولكن لأن محرك البحث أصبح أكثر ذكاء. فبالتعلم أصبح الذكاء الاصطناعي يتفوق على أفضل اللاعبين في العالم في لعبة الشطرنج. حذّر «إلون ماسك» الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا من مغبة سوء استخدام الابتكارات المبنية على الذكاء الاصطناعي، وخاصة من إحدى الشركات، ملمحًا إلى غوغل دون أن يسميها صراحة. فهو لديه تخوف من كيفية تفاعل البشر مع التقنية في المستقبل. ويعتقد أن تقنية الذكاء الاصطناعي ستكون هي الواسطة التي يتعامل بها الناس في حياتهم. وفي خضم النقاش المحتدم اليوم حول الشطط الذي قد يحدث نتيجة التقدم في ابحاث الذكاء الاصطناعي واختلاف الآراء فيه، فإن هناك من يتوقع أن يتجاوز الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري بحلول العام 2100 أو قبل ذلك، وأن الذكاء الاصطناعي ستكون لديه القدرة للدخول على أجسام وعقول الناس وقراءة أفكارهم. هناك تخوف هائل من أن يفلت زمام الأمور بشكل مفاجئ لا يتوقعه أحد، بحيث لا يمكن السيطرة على ما ينتجه الإنسان في هذا الجانب. هناك من يرى أن شيطنة الذكاء الاصطناعي حتى الآن هي في الغالب نتاج الخيال العلمي، كما نراه على شاشات السينما. ولكن مع تقدم التقنية، فإن هذا الأمر يبدو أكثر قبولا لأن يكون واقعًا معاشًا. يقول «ساتيا ناديلا» الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، بأن النقاش لا يجب أن يدور حول ما إذا كانت تقنية الذكاء الاصطناعي تمثل الشّر أو الخير. ولكن النقاش الأهم يجب أن يدور حول منظومة القيم التي تحكم الأفراد والمنظمات الذين ينتجون هذه التقنية.