أثبتت تركيا في 24 أغسطس من خلال أكبر عمل عسكري بري جوي يحصل للمرة الاولى داخل سوريا ل«مكافحة الارهاب» تحت مسمى عملية «درع الفرات» أنها لا تزال على موقفها حيال الأزمة السورية، خصوصاً بما يتعلق برحيل بشار الأسد من السلطة، وأن لا «استدارة تركية» على خلفية لقاء المصالحة الذي حدث في سانت بطرسبورغ بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، كون الرئيس التركي متمسكا حتى النهاية برحيل الأسد سواء حصل ذلك من خلال حل سلمي ولمرحلة انتقالية أو بضغط عسكري، فما الذي سيعكسه التدخل العسكري التركي على مسار الحرب في سوريا، وهل هذه التطورات إشارة إلى قرب الحل السياسي أم نحن أمام فصل جديد من فصول إطالة الأزمة؟ يرى العميد الركن الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية نزار عبدالقادر في تصريح ل«اليوم» ان «العملية التي تقوم بها تركيا تأتي من ضمن التفاهم التركي الإيراني الروسي، الا انه قد لا يعكس إطلاقاً ما تريده الولاياتالمتحدةالأمريكية في منطقة الحدود السورية التركية». وقال: «كما يبدو غيّرت تركيا من موقفها حيال النظام السوري وهو موقف جاء نتيجة الى التفاهمات التي نسجتها مع ايرانوروسيا، فمن وجهة نظر تركيا الأمر يتعلق بالأمن التركي وهو الموضوع الذي لم تنصت إليه أمريكا إطلاقاً بالرغم من كل الدعوات التي قامت بها تركيا لأخذ أمنها، خاصة الأمن الإستراتيجي والمصيري بعين الاعتبار من خلال العلاقة الخاصة التي نسجتها الولاياتالمتحدةالأمريكية مع المجموعات المسلحة الكردية بما فيها الحزب «الديموقراطي الكردستاني»، الذي يرأسه صالح مسلم، والذي تعتبره تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وفي الحالتين الحزبان مصنفان من جانبها على أنهما مجموعات إرهابية تهدد الأمن التركي». واشار عبدالقادر الى ان «تركيا سبق واعلنت أن وجود الأكراد غرب مجرى نهر الفرات يشكل تهديداً لأمنها، ويبدو ان الولاياتالمتحدةالامريكية لم تنصت الى هذا الموضوع وأكبر دليل على ذلك هو معركة منبج، حيث حاولت أمريكا التلاعب على الألفاظ من أجل اتخاذ موافقة ضمنية من تركيا بقولها ان مَنْ يقوم بهذه العملية هو قوات سوريا الديموقراطية، وبأن مشاركة قوات حماية الشعب الكردي لا تزيد على 20 بالمائة عن القوات التي تقاتل في منبج، وهذا الكلام لن ينطلي على القيادة التركية، ولكنها أثناء معركة منبج كانت منشغلة بأوضاعها الداخلية سواء في محاربة الارهاب، أو القيام بعمليات أمنية واسعة ضد تحرك الأكراد في جنوب شرق تركيا والعمليات الارهابية داخل أنقرة وإسطنبول وبعدها أتت عملية الانقلاب الفاشل»، معتبراً انه «بعد عملية الانقلاب هناك حاجة ماسة لاستعادة الأمن التركي بالمعنى الاستراتيجي بما فيه على الحدود التركية وعلاقة تركيا بكل ما يجري مع هذا التدخل الكثيف دولياً واقليمياً ولهذا جرابلس هي نقطة الانطلاق». ولفت الخبير العسكري نزار، ان «مَنْ ينظر الى الخريطة الحدودية، يعلم أن الأكراد يحاولون فرض سيطرتهم على ما يسمى بكردستان الغربية، التي تمتد من نقطة مثلث الحدود بين تركياوسورياوالعراق في الحسكة وصولاً على الاقل الى عفرين في الغرب»، موضحاً ان «القوات الكردية سيطرت تقريباً على المناطق الحدودية في الحسكة وفي المناطق المجاورة وصولاً إلى مشارف جرابلس، وبقي عليها بالواقع أن تحتل جرابلس ومنطقتي الباب وأعزاز لأجل الاتصال بقضاء عفرين وهي من الاقضية التابعة لمحافظة حلب». وزاد «لكن الآن أرى أن العملية التركية، التي تستهدف ليس فقط «داعش» بل كل المجموعات المسلحة، خاصة الكردية وقوات «سوريا الديموقراطية» في هذه المنطقة، وتصر تركيا على ان يجري التحرك الآن عسكرياً بإعادة القوات الكردية إلى شرق الفرات، لنرى ان كانت ستستطيع القيادة التركية ان تحقق كل تلك المصالح وما سيكون عليه الموقف الأمريكي، لأنه كما يعلم الجميع ان مَنْ يسيّر العمليات الكردية من الحسكة وصولاً الى مشارف الباب أو جرابلس، هي الولاياتالمتحدةالامريكية، فلولا الدعم الجوي الامريكي والحليف لهذه القوات بمن فيهم فرنسا والمانيا، لم يكن باستطاعة هذه القوات من تحقيق كل هذه النتائج على الارض، وان تحتل هذا الشريط الطويل الذي بلغ حتى الان 400 كم من الحدود السورية التركية، هذا بالاضافة الى قضاء عفرين ذات الأكثرية الكردية»، مشدداً على أن «التركي يستند الآن على هذا التفاهم الايراني الروسي وعلى العلاقة الجديدة مع النظام السوري وكل هذه العناصر ستساعده على الارض من اجل تحقيق أهدافه الامنية كما يراها اردوغان». من جانبه، يقول الصحافي والمحلل السياسي يوسف دياب ان «للتدخل العسكري التركي وجهين أحدهما إيجابي بينما الآخر سلبي، ويتمثل الايجابي في اطار انه لم تعد روسيا وإيران الوحيدتان في الساحة السورية، فالدخول العسكري التركي في شمال سوريا، أعاد إلى حد ما رسم خريطة السياسة في سوريا، ويدل على انه اعاد الاعتبار الى المعارضة المعتدلة وهي الجيش السوري الحر الذي نراه يحرر الكثير من القرى الواقعة تحت سيطرة تنظيم «داعش» الارهابي وتحت سيطرة القوات الكردية التي كانت تطمح إلى حد كبير إلى قيام دولة كردية في شمال سوريا، هذا من الناحية الايجابية». أما فيما يخص الناحية السلبية فيتمثل ذلك في اطار ان هذا التدخل تزامن مع مسألة داريا والاتفاق الذي تم التوصل إليه بإخراج أهلها من بلدتهم. يضيف دياب «هنا أخشى بحسب تحليلي إلى المعلومات أن تكون سوريا دخلت باتفاق له وجهان، الوجه الاول هو رسم خريطة تقسيم سوريا على نحو ديموغرافي سياسي مختلف بحيث ما نشهده اليوم في سوريا أي في دمشق ومحيطها وشمالها وجنوبها، وإذا أخذناه بدءاً من محافظة حمص وصولاً إلى اللاذقية فكأنه ارتسمت معالم ما يعرف ب «سوريا المفيدة» أو بتسميتها الحقيقية «الدولة العلوية الشيعية»، وهنا يطرح سؤال عن مصير الأكثرية السنية التي يتشكل منها المجتمع السوري، فاليوم السنة يجسدون 85% من المجتمع السوري». وأوضح دياب: «لهذا أخشى أن يصبح السنة أقلية إزاء النموذج المعتمد، كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ان هناك 8 الى 9 ملايين سني هجروا من سوريا الى لبنان والاردن وتركيا بالاضافة الى الذين هاجروا الى اوروبا، وكذلك الاعداد الكبيرة التي غرقت في المياه، لهذا أخشى من تحويل السنة إلى أقلية في سوريا، وتتوصل الثورة المستمرة منذ سنوات وهي التي تكبدت ما يقارب 500 ألف شهيد الى اتفاق ما، كما أخشى ان يكون الاتفاق التركي الايراني الروسي بموافقة أمريكية يتضمن بقاء بشار الاسد تحت ذريعة او مسمى بقائه في مرحلة انتقالية، لأنني اخشى ان تتضمن هذه المرحلة سيناريوهات او خرائط جديدة تفضي إلى بقاء نظام البعث المجرم». وختم دياب حديثه بالقول: «من الواضح ان محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا بدلت الاولويات لديها، واصبح هاجسها الاساسي تقوية النظام في الداخل التركي وتنظيفه، واعتقد انها لا تستطيع العمل على جبهتين متوازنتين، اي لا يمكنها تنظيم الوضع الداخلي وتكون على خلاف مع المحيط المشتعل من حولها في ذات الوقت سواء في سوريا او العراق او ايران، وكذلك على توتر من روسيا بما لها من دور اليوم في سوريا والمنطقة، لهذا تبدلت الاولويات في تركيا ولم تسقط حتمية زوال بشار الاسد، لهذا لا يمكن ان يقبل اردوغان اعادة تطبيع العلاقات مع بشار الاسد بعد كل الجرائم التي ارتكبها. تركيا تعمل على الملف السوري بتدريج كون ما يهمها الآن الانتهاء من أزمة شمال سوريا، ومن الخطر الكردي الموجود على حدودها، ومن ثم تنصرف الى مرحلة التسويات، لهذا فإن تركيا ستكون على تماس بأي تسوية ستحصل في سوريا، كما أنها تعلم أن أي حل سياسي لن يتم التوصل اليه قبل وصول الادارة الامريكية الجديدة، أي قبل الربيع المقبل، وبالتالي فإنه لن يكون هناك اي حل، لهذا ما يهم الاتراك اليوم هو الانتهاء من ملف الشمال وتأمين حدودها مع شمال سوريا الى ان تبدأ بلورة الحلول السياسية، التي تنتظر وصول الادارة الامريكية الجديدة».