توغّلت دبابات وجنود من القوات الخاصة التركية داخل الأراضي السورية أمس في إطار هجوم يقوم به مئات المقاتلين من فصائل تابعة ل «الجيش السوري الحر» لطرد تنظيم «داعش» من مدينة جرابلس الحدودية في ريف حلب الشمالي الشرقي. وتمكن المهاجمون بسرعة من الاستيلاء على عدد من القرى الصغيرة المحيطة بجرابلس قبل الوصول إلى وسط المدينة والسيطرة عليها كلياً كما أعلنوا بعد ظهر أمس، وسط توقعات بأن يواصلوا لاحقاً إكمال تطهير بقية ريف حلب الشمالي من عناصر «داعش» وإغلاق أي منفذ للتنظيم مع الحدود التركية. وفيما أعلنت الولاياتالمتحدة أنها تساعد القوات التركية في الهجوم على جرابلس، دانت الحكومة السورية التوغل التركي واعتبرته انتهاكاً لسيادتها. كما قوبل الهجوم التركي بانتقاد كردي عنيف حذّر من أن أنقرة ستغرق في «المستنقع السوري»، في دليل على مدى استياء الأكراد من هذا التدخل الذي يمنعهم من ربط مناطق سيطرتهم في شرق نهر الفرات بإقليم عفرين في ريف حلب الغربي. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة إن العملية التركية لا تستهدف «داعش» فقط بل أيضاً حزب الاتحاد الديموقراطي الذي تصفه أنقرة بأنه تنظيم إرهابي تابع لحزب العمال الكردستاني. وقال أردوغان في بيان: «أطلقت قواتنا منذ الساعة الرابعة فجراً (1:00 ت غ) عملية ضد مجموعتي داعش وحزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) الارهابيتين». وتتواجد «قوات سورية الديموقراطية» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي، عمودها الفقري على بعد حوالى عشرة كيلومترات جنوب مدينة جرابلس. أما وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو فقال، من جهته، إن تطهير جرابلس سيكون نقطة تحول في المعركة مع «داعش». وأضاف الوزير على حسابه الرسمي على «تويتر» أن عملية جرابلس ستعجل باستئصال «داعش» من منطقة حلب، مضيفاً: «لا نريد مكافحة البعوض. هدفنا هو إزالة المستنقع والقضاء على التهديدات ضد تركيا». وبعد ساعات على بدء العملية التي أُطلق عليها «درع الفرات»، سيطرت الفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة على قرية ككلجة التي تقع على بعد كيلومترات قليلة من جرابلس، قبل أن توسع سيطرتها على ثلاث قرى أخرى في ريف حلب الشمالي. وأوضحت وكالة دوجان التركية للأنباء أن 46 من «داعش» قتلوا حتى الآن في العملية التركية، فيما قال قادة مشاركون في الهجوم إن هدفهم ليس فقط طرد التنظيم من جرابلس بل تطهير كل ريف حلب الشمالي. وأوضح هؤلاء أن الفصائل ستسعى في البداية إلى وصل المنطقة المحيطة بجرابلس والتي تمت السيطرة عليها أمس بمنطقة الراعي التي طردت الفصائل «داعش» منها قبل أيام، ما يعني أن كامل الشريط الحدودي التركي - السوري من جرابلس (غرب الفرات) وحتى أعزاز (حدود إقليم عفرين الكردي) ستصبح في أيدي فصائل من «الجيش الحر» مدعومة من تركيا. كما قال هؤلاء إن الفصائل ستتابع هجومها للوصول إلى مدينة الباب التي كان يُعتقد أن «قوات سورية الديموقراطية» التي يهيمن عليها الأكراد ستحاول طرد «داعش» منها بعدما استكملت السيطرة على منبج. وفي هذا الإطار، قال أحمد عثمان القيادي في «فرقة السلطان مراد» المشاركة في العملية التركية: «بدأت الأعمال العسكرية صباحاً بتمهيد من المدفعية التركية لتغطية العمل في منطقة جرابلس وبعد ساعات عدة توغلت قواتنا من محورين: المحور الشمالي والمحور الغربي». وأضاف: «تمت السيطرة على قرية ككلجة (...) هذه أول مرحلة. والمرحلة الثانية تبدأ بعد ساعات للدخول إلى بلدة جرابلس التي تبعد عنها قواتنا حوالى كلم». وأفادت شبكة «ان تي في» التلفزيونية الخاصة بأن طائرات «اف-16» تركية وطائرات تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة ألقت قنابل على أهداف ل «داعش» في جرابلس، في أول هجوم من نوعه منذ أن اسقطت القوات الجوية التركية طائرة حربية روسية في تشرين الثاني (نوفمبر) فوق الحدود التركية - السورية. ومنذ ذلك الوقت توقفت الطائرات التركية عن عبور المجال السوري خشية أن تلجأ روسيا إلى إسقاطها. وأعلن مسؤول أميركي رفض كشف اسمه أن الولاياتالمتحدة قدمت دعمها للعملية التركية الجارية داخل سورية، لافتاً إلى أنها تستهدف «داعش» وليس الأكراد. وقال المسؤول الذي يرافق نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته تركيا أن الدعم اتخذ في الوقت الراهن شكل تبادل معلومات ومشاركة مستشارين عسكريين أميركيين ويمكن أن يصبح دعماً جوياً إذا طلب الأتراك ذلك. وفي دمشق، قال مصدر في وزارة الخارجية السورية في تصريح أوردته وكالة الأنباء الرسمية «سانا»: «تدين سورية عبور دبابات ومدرعات تركية عند الحدود السورية - التركية الى مدينة جرابلس تحت غطاء جوي من طيران التحالف الأميركي الذي تقوده واشنطن وتعتبره خرقاً سافراً لسيادتها». واعتبر أن «محاربة الإرهاب ليست في طرد داعش وإحلال تنظيمات ارهابية أخرى مكانه مدعومة مباشرة من تركيا»، مشدداً على أن «محاربة الإرهاب على الأراضي السورية من أي طرف كان يجب أن تتم من خلال التنسيق مع الحكومة السورية والجيش العربي السوري». وتصنّف الحكومة السورية كافة الفصائل التي تقاتلها منذ بدء النزاع في منتصف آذار (مارس) 2011 ب «الإرهابية». وتتهم دمشقأنقرة بدعم «الإرهابيين» عبر إبقاء الحدود مفتوحة أمامهم لاستقدام التعزيزات الى سورية. وطالب المصدر السوري في تصريحه ب «إنهاء هذا العدوان»، داعياً تركيا والتحالف الدولي إلى «احترام... القرارات الدولية وبخاصة ما يتعلق منها بإغلاق الحدود وتجفيف منابع الإرهاب». في المقابل، رحب «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، في بيان الأربعاء، ب «الدعم الذي تقدمه تركيا والتحالف (الدولي) للعملية العسكرية في جرابلس»، قائلاً إن هدفها «تحريرها (جرابلس) من تنظيم داعش الإرهابي، وإبعاد خطر الإرهاب وتنظيمات حليفة للنظام عن تلك المنطقة». وأكد أن «التواجد العسكري للتحالف موقت ومحدود لأهداف المساندة اللوجستية والدعم»، مشدداً على أن «مقاتلي الجيش الحر هم من يتولون العمليات القتالية الميدانية». وفي مؤشر إلى استياء الأكراد من العملية التركية، قال صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري في تغريدة على موقع «تويتر» إن «تركيا ستخسر في مستنقع سورية كداعش». أما ريدور خليل المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية السورية فاعتبر التدخل العسكري التركي «اعتداء سافراً على الشؤون الداخلية السورية» وهو ناجم عن اتفاق بين تركيا وإيران والحكومة السورية. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو الأربعاء إن المقاتلين الأكراد السوريين الذين عبروا إلى غرب الفرات في إطار الهجوم لطرد «داعش» من منبج يجب أن يعودوا إلى مناطق شرق نهر الفرات. وذكر ريدور خليل إن تلبية هذا الطلب تتوقف على «قوات سورية الديموقراطية» وليس فقط على الأكراد، في إشارة إلى أن هذه القوات تضم فصائل عربية أيضاً. واتهم ألدار خليل وهو سياسي كردي آخر جماعات المعارضة المشاركة في عملية «درع الفرات» بتسهيل ما وصفه بالاحتلال التركي لسورية والعمل لمصلحة تركيا. ووصف التدخل التركي بأنه «إعلان حرب» على إدارة الحكم الذاتي التي أسستها الجماعات الكردية في شمال سورية بعد بدء الصراع في 2011. وقال ل «رويترز»: «الرد وآلياته وشكله يحتاج للمناقشة والدراسة وما زلنا ندرس الموضوع لكن من حيث المبدأ نحن لا نقبل هذا الاحتلال». على صعيد آخر، فشل «جيش الفتح» في استعادة السيطرة على تلة أم القرع الاستراتيجية التي سيطرت عليها القوات النظامية السورية في جنوب غربي حلب، ما مكّنها من رصد طريق الإمداد الوحيد إلى الأحياء الشرقية في المدينة. وكانت حسابات رسمية تابعة ل «جيش الفتح» بما فيها تلك التابعة ل «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) و «حركة أحرار الشام الإسلامية» أعلنت بعد ظهر الثلثاء إطلاق هجوم ضخم لطرد الجيش النظامي من هذه التلة، لكن مقاطع فيديو وزّعتها حسابات موالية للحكومة السورية أظهرت دبابات وعربات مدرعة تابعة لفصائل «جيش الفتح» وهي مدمرة على أطراف التلة، إضافة إلى عرض جثث لبعض القتلى من المهاجمين. وهللت الحسابات الموالية للحكومة السورية بأن فشل الهجوم يعني أن القوات النظامية ما زالت قادرة نارياً على محاصرة أحياء حلب الشرقية نتيجة تمكنها من رصد طريق الراموسة - خان طومان المدخل الوحيد للأحياء الشرقية.