شنت الفصائل الكردية هجوما ضخما، أمس الإثنين، لانتزاع آخر مناطق تسيطر عليها قوات النظام في مدينة الحسكة بشمال شرق سوريا، بعد توجيه نداء لميليشيات الأسد للاستسلام، وذلك حسبما ذكرت الفصائل الكردية وسكان محليين. وشنت القوات الكردية هجومها، بعد منتصف الليل، للسيطرة على منطقة «نشوى» الواقعة بشمال شرق المدينة، والقريبة من موقع مجمع أمني قرب مكتب الحاكم القريب من قلب المدينة. في غضون ذلك، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بتجدد الاشتباكات العنيفة، الإثنين، بين قوات النظام، والفصائل الكردية في حي «غويران» شرقي ودوار «الباسل» بمدينة الحسكة. وأشار المرصد إلى تحليق لطائرات حربية في سماء المدينة يترافق مع قصف من قوات النظام على مناطق الاشتباك. وستمثل خسارة الحسكة بشكل كامل ضربة قوية للأسد وستقوض أيضا جهود موسكو التي كانت تسعى إلى مساعدة النظام على استعادة الأراضي التي خسرتها، والحيلولة دون تحقيق قوات المعارضة المسلحة مكاسب جديدة من خلال تدخل عسكري كبير العام الماضي. ووسعت القوات الكردية سيطرتها على المدينة على الرغم من قصف طائرات النظام لعدة مواقع. وقال سكان: إن آلاف المدنيين فروا من المدينة التي يقطنها خليط من الأعراق، إلى قرى في الريف مع زيادة حدة القتال. وأنهت المواجهة على ما يبدو تفاهمات ضمنية بين الفصائل الكردية وجيش النظام أدت إلى إبقاء المدينة هادئة نسبيا. ويقول منتقدون وسكان كثيرون: إن جيش الأسد سلم الفصائل أسلحة وأراض في بداية الصراع مع سعى النظام إلى التركيز على سحق معارضين مسلحين من «السنة» بشكل أساسي كانوا يحاولون إسقاطه. وقال محافظ الحسكة لوسائل إعلام: إنه بعد تفجر العنف زود الأسد قواته والفصائل بأسلحة ودبابات لقتال العناصر المتشددة ولكنه لم يكن يتوقع إنقلابها عليه. في سياق آخر، دهمت قوات من الجيش اللبناني مخيمات للنازحين السوريين في البقاع الشمالي، شرقي لبنان. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام، الرسمية في لبنان، الإثنين، أن حملة المداهمات جرت في بلدتي شعث ورسم الحدث، فيما تم توقيف 60 سوريا لا يحملون أوراق إثبات شخصية. ويستضيف لبنان نحو مليون نازح سوري، وبين الحين والآخر، يداهم الجيش اللبناني مخيمات السوريين، خشية وجود مسلحين بينهم. من جهة أخرى،انتقد وزير دفاع نظام إيران حسين دهقان،الإثنين، روسيا لكشفها عن استخدام قاعدة جوية في همدان لشن ضربات في سوريا. واصفا ذلك بأنه فعل «استعراضي» وينم عن «عدم الاكتراث». وقال دهقان: كانت روسيا بحاجة إلى إعادة تموين طائراتها في منطقة قريبة للعمليات. ولهذا استخدموا قاعدة نوجة بهمدان، ولكننا لم نعطهم بأي حال قاعدة عسكرية. وتواترت أنباء من طهران، بأن روسيا أوقفت استخدام القاعدة الجوية ؛بعد أسبوع من إعلانها انطلاق قاذفاتها من قاعدة في همدان لقصف أهداف داخل سوريا. على صعيد تركيا، قال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو،في مؤتمر صحفي بعد محادثات مع نظيره الليتواني ليناس لينكافيتشوز أمس،: إن منطقة الحدود مع سوريا يجب «تطهيرها تماما» من مقاتلي تنظيم داعش وإن أنقرة ستواصل دعم العمليات في المعركة ضد الإرهابيين. وكان قيادي كبير في المعارضة السورية، قال في وقت سابق، الأحد: إن مقاتلي المعارضة يستعدون لشن هجوم لاستعادة بلدة «جرابلس» السورية التي تقع على الحدود مع تركيا من قبضة التنظيم. وهو ما أكده المتحدث باسم الجبهة الشمالية للمعارضة السورية أن الجيش الحر؛ في حالة حشد لقواته لاستعادة «جرابلس» عبر تركيا. كشفت «قاعدة نوجة (همدان) العسكرية» هشاشة التحالف الروسي - الإيراني، الذي ظهر في أعقاب اندلاع الثورة السورية، فيما يرى مراقبون أن وقف انطلاق الطلعات الجوية منها «علامة فارقة». إيران - من جانبها - أعلنت وقف استخدام القاعدة الجوية لشن ضربات ضد قوى المعارضة السورية، بعد تصريحات انتقدت «حليفها» الروسي. وقال الناطق باسم وزارة خارجية النظام الإيراني بهرام قاسمي، في تصريح نقلته «وكالة تسنيم» الإيرانية للأنباء،: إن «روسيا أوقفت استخدام قاعدة همدان الجوية»، دون أن يوضح ملابسات الموقف الجديد. ونفى قاسمي في تصريحه، الذي رصدته «اليوم»، وجود أي اتفاقية بين البلدين حول استخدام القاعدة، وقال «ليس لروسيا قواعد في إيران، ولا تتمركز هنا، قاموا بهذه (العملية) وانتهى الأمر في الوقت الحالي». بيد أن الدبلوماسي الإيراني وصف علاقات بلاده وروسيا الاتحادية، لا سيما في المجال العسكري، بأنها «إستراتيجية»، لافتاً إلى «عدة اتفاقات بين الجانبين للتعاون في محاربة الإرهاب». وأشار أن «الاتفاقات تسمح للقوات الجوية والفضائية الروسية باستخدام المجال الجوي الإيراني والبنية التحتية في البلاد، في إطار العملية الروسية لمحاربة الإرهاب في سوريا». تصريح قاسمي أعقب انتقاداً لاذعاً، وجهه وزير دفاع النظام الإيراني حسين دهقان لروسيا، تضمن اتهاماً لموسكو ب «القيام بأفعال استعراضية». دهقان قال، في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الإيراني، «طبيعي أن يُعنى الروس بالاستعراض، كونهم قوة عظمى ودولة ذات نفوذ، وبما يقدمهم كفاعلين في القضايا الأمنية في المنطقة والعالم». وزاد الوزير الإيراني «إعلان موسكو لاستخدام القاعدة جاء كنوع من الاستعراض وعدم الاكتراث»، قاصداً بذلك كشف روسيا النقاب، الأسبوع الماضي، عن استخدامها قاعدة «نوجة» الجوية الإيرانية لشن ضربات في سوريا. وفتح اعلان روسيا عن استخدامها للقاعدة ملفاً كبيراً، كانت طهران قد سعت إلى مواراته منذ أمد طويل، وهو ما سارعت «جبهة إيران الديمقراطية» إلى اعتباره «خيانة للمصالح الإيرانية». وقالت الجبهة، في بيان وزعته على وسائل الإعلام وتسلمت «اليوم» نسخة عنه، إن «رائحة الخيانة العفنة تفوح من العقود والاتفاقيات المذلة، التي تمنح الروس امتيازات خاصة». اتهمت الجبهة، التي تعارض نظام الملالي في إيران وتسعى إلى اسقاطه، النظام الإيراني ب «إغراق البلد كل يوم في مستنقع جديد بطموحه التوسعي في إطار توسيع رقعة الهلال الشيعي، ونشر أيديولوجيته الاستعلائية من خلال الاستمرار بخلق الأزمات في المنطقة». وأضاف بيان الجبهة أن «نظام الملالي يريد، عبر اتفاق مخز آخر مع الروس، أن يثبّت نفوذه الإقليمي، وأن يعزز مكانته بين القوى الدولية على حساب مصالح الشعب الإيراني وشعوب المنطقة». واعتبر البيان الاتفاقيات العسكرية الإيرانية مع موسكو، والعقود النفطية والاقتصادية مع دول الشرق والغرب، جزءاً من «محاولات نظام ولاية الفقيه لتغطية جرائمه والإعدامات والانتهاكات التي يقوم بها ضد شعبه وشعوب المنطقة». ورأى بيان الجبهة أن «الحضور العسكري الروسي في إيران لن يقتصر على استخدام قاعدة همدان والمجال الجوي، بل يشكل بداية عصر الهيمنة الروسية على إيران»، مذكراً بتخلي طهران عن حقوقها في بحر قزوين لصالح موسكو. الإعلان الروسي عن استخدام القاعدة الجوية شكّل تغيراً مهماً في السياسات الإيرانية المتبعة منذ الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، التي تجلت في «اتفاق 1922»، الذي قضى بأن «يعفي الاتحاد السوفيتي إيران من ديونها مقابل امتناع إيران عن إتاحة أراضيها للمعارضين للنظام الشيوعي في المقام الأول، وثانياً إعطاء روسيا الحق في طلب وجود عسكري في إيران». وفي تعليقه على وقف الطلعات الجوية الروسية، قال الخبير العسكري المخضرم اللواء د. قاصد محمود، في تصريح ل «اليوم»،: إن «وقف الطلعات الجوية من قاعدة نوجة في همدان يحمل في طياته أبعادا لوجستية وسياسية، فضلا عن تأثيراته الميدانية». وقال اللواء قاصد محمود، نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية المشتركة سابقاً،: إن «استخدام الروس لقاعدة همدان جاء استجابة لحاجة لوجستية، وليس ترفاً، فالطائرات الحربية الروسية الكبيرة، المستخدمة في سورية، تنطلق عادة من قاعدة أوسيتيا الشمالية (جنوبروسيا)، وتقطع مسافة 2000 كم لتنفيذ مهماتها في سورية، وهي مسافة طويلة مقارنة بالقاعدة الإيرانية، التي تبعد 900 كم فقط». وبين اللواء محمود أن «الطائرات الكبيرة لا يمكنها التزود بالوقود في الجو، كما أنها تحمل ذخائر أكبر من الطائرات الأصغر حجماً، التي يمكن أن تنطلق من قاعدة حيميم الجوية الروسية في سورية، التي تعجز أن تكون بديلاً، سواء لجهة التهديدات الأمنية من قوى المعارضة، أو لجهة الإمكانيات الفنية». وسياسياً، يرى الخبير العسكري أن «حديث طهران عن وقف استخدام روسيا لقاعدة همدان يأتي في عدة سياقات، إذ تظهر التصريحات الإيرانية وجود موقف داخلي رافض لهذه المسألة، خاصة أن النظام الإيراني سعى طويلاً إلى عدم الظهور بمثابة اللاعب المستقل، وغير الخاضع للهيمنة». ولفت اللواء د. قاصد محمود إلى «تباين الأجندة الإيرانية مع نظيرتها الروسية، وهذا برز في عدة محطات خلال الثورة السورية»، معتبراً أن هذا «يعكس زيف التحالف». وعلى الجانب الآخر، يقول اللواء د. قاصد محمود، إن «واحداً من الأسباب المهمة لوقف استخدام الروس للقاعدة الجوية قد يكون مرتبطاً بالموقف الأمريكي، الذي دخل مرحلة جديدة في آلية التعامل مع الوضع السوري». وبين د. محمود أن «واشنطن مارست ضغطاً على طهرانوموسكو معاً، إذ يشكل استخدام القاعدة الجوية خرقاً فاضحاً لبنود وملاحق الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، إضافة إلى انه انتهاك للوضع السابق على الاتفاق، الذي خضعت له إيران وبرنامجها النووي». ورأى اللواء د. قاصد محمود أن «النظام الإيراني لا يحتمل عملياً تبعات إتاحة القاعدة للروس، فهو بالكاد يستطيع المرور من حقل الألغام في اتفاقه حول البرنامج النووي، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا، التي ايضاً لا تستطيع تحمل تكاليف خطوة من نوع تحدي الإرادة الأمريكية والغربية». وحول تأثير وقف استخدام قاعدة همدان على الوضع الميداني في سورية، قال اللواء قاصد محمود إن «وقف استخدامها سيؤثر على قدرة روسيا وقوات نظام الأسد وحلفاءه في أحداث تغيير على الأرض، وهو ما سيترتب عليه بقاء الوضع القائم كما هو». وأشار إلى أن «الوضع الميداني في سورية سيظل مائعاً إلى حد كبير، خاصة أن مختلف الأطراف لا تستطيع تغييره بشكل جذري في ظل موازين القوة القائمة»، متوقعاً استمرار هذا الحال إلى حين امتلاك طرف من الأطراف لقوة قادرة على أحداث تغيير جوهري، وهذا غير ممكن دون تدخل دولي حاسم. ونفى اللواء قاصد محمود أن يكون الروس قادرين على«حسم نتيجة الصراع»، أو أحداث«تغيير حقيقي»في مجرياته، لافتا أن«موسكو ليست بأحسن حالاً من دول الإقليم». وتعتبر«قاعدة نوجة الجوية»، التي بنيت في ستينيات القرن الماضي وتوسعت بشكل كبير في السبعينيات بتمويل أمريكي بالكامل، ثاني أكبر قواعد سلاح الجو الإيراني بعد قاعدة وحدتي، المقامة على مقربة من الحدود العراقية – الإيرانية بمنطقة دزفول. وتغيّر اسم القاعدة، التي كانت تحمل اسم«شاهرخي»(اسم أحد أهم قيادات سلاح الجو الإيراني في العهد الملكي)، في عهد الخميني (عام 1982)، الذي أطلق عليها اسم«قاعدة نوجة»، نسبة لأحد قتلى سلاح الجو الإيراني في عهده. وكانت القاذفات الاستراتيجية الروسية قد بدأت الأسبوع الماضي باستخدام قاعدة همدان خلال طلعاتها لتوجيه الضربات إلى مواقع الإرهابيين في سوريا، وهو أمر يسمح بتقليص كمية الوقود التي تحملها القاذفة، وزيادة حمولة الأسلحة على متنها. المقاتلة الروسية سوخوي سو 34 انطلقت من قاعدة همدان، وأسقطت قنابلها ب«دير الزور»