منذ عقود، كان الجدل يدور حول استيراد الإنتاج التلفزيوني للأطفال، مقابل إيجاد إنتاج عربي خاص ضمن نفس بيئة الطفل وقِيَمه. في ذلك الوقت، كانت حركة دبلجة أفلام الكرتون نشطة، ويسهم فيها فنانون وممثلون مهمون على مستوى الوطن العربي، ورغم غياب الإنتاج العربي الخاص على مستوى الرسوم المتحركة، إلا أن المسلسلات الكرتونية اليابانية، المدبلجة إلى العربية، حملت بصماتٍ خاصة من فريق الدبلجة، من كلمات الأغنية، المشبعة بمجموعة من القيم الأساسية، مثل صراع الخير ضد الشر، أو الدفاع عن الأوطان ومقاومة الغزاة، إلى تجسيد هذه القيم وتكثيفها ضمن الحوار المدبلج. كذلك، كانت برامج مثل «افتح يا سمسم»، وبرنامج «المناهل»، تقدم إنتاجاً عربياً خالصاً، يضع تعليم الطفل أساسيات لغته وبعض القيم الأخلاقية في قالبٍ مُشَوِّق وممتع. عوّض الحس الرسالي عند القائمين على دبلجة المسلسلات الكرتونية اليابانية، غياب الإنتاج العربي في هذا المجال، فقد كانت هذه المسلسلات تشكل أرضية مناسبة لتكثيف مجموعة من القيم والمبادئ وعرضها للأطفال، والتوسع فيها بعيداً عن النص الأصلي أحياناً، كما أن كثيراً من هذه المسلسلات تصلح في الأصل لجميع الأعمار، وفيها مشاهد قد تكون غير صالحة للأطفال، فيتدخل المدبلجون بالحذف أو التعديل، دون الإخلال بالقصة. يظل الانتقاء وتركيب السيناريو المسألة الأهم، حيث نجد مسلسلات كرتونية مأخوذة عن قصص أدبية شهيرة، وأخرى يُقدَّم الصراع فيها ضمن جرعة من الفدائية تجاه الأوطان. حتى أغاني البداية كانت متميزة على صعيد الكلمة واللحن والأداء، وهي تسهم بفعالية في تغذية القيم المطلوبة، ويحلو الاستماع إليها رغم مرور السنين. منذ عقد من الزمان على الأقل، تسيطر على المشهد الفضائي مسلسلات كرتونية أميركية، لعلها الأفقر لناحية تقديم تلك القيم الأساسية، إذ ان أغلبها يشكو من السطحية، فيما الفضائيات التي تبثها لديها هم تجاري دون أدنى اهتمام تربوي أو ثقافي. كذلك، غاب الفنانون الذين يقدمون أعمالاً جميلة تحفر في ذاكرة الطفل، خاصة في الخليج، سواءً في التلفزيون أو على خشبة المسرح، وبعد زمنٍ تألقت فيه الفنانة هدى حسين مثلاً في تقديم أعمال وأغان راقية للأطفال، بتنا نسمع أغاني للطفل بلا لون ولا طعم، معدة للاستهلاك مثل الوجبات السريعة. ربما يحتاج الأمر إلى تكاتف مؤسسات إنتاجية مع فضائيات كبيرة، لإعادة النظر فيما يقدم للأطفال، والعمل على تقديم إنتاجٍ يسمح بزيادة وعي الطفل، وتنمية قدراته، وتوسيع مداركه، بدلاً من الاعتماد على استيراد الإنتاج الأجنبي دون انتقاء أو حتى لمسات خاصة، كما كان يحصل في السابق.