لا يمكننا معرفة الرديء ما لم نحدد مواصفات الجيد، وهذا الاشتقاق هو الذي فرض وجوبا وضع مواصفات لكل الأصناف المستخدمة للبشر والبيئة والنبات وجميع التكوينات من مواد صلبة أو غازية أو سائلة، فهي تخضع في تركيباتها إلى مكونات قد تكون ضارة أو نافعة ومفيدة. ولهذا تحرص الدول على تعريف هذه المكونات وتركيبها لتصنيف المنتج من أي فئة سيكون وعليه تتخذ قرارات السماح أو المنع لتداوله وتعاطيه، ومن هنا نشأت فكرة المواصفات القياسية التي يسير عليها المنتج ويطبقها المستهلك في استخداماته ليتعرف من خلالها على الجودة النوعية، وبما أن ذلك من الأبجديات التي تعمل بها الجهات المختصة في المملكة مثل هيئة المواصفات والمقاييس وكذلك إدارة الجودة النوعية التي تراقب التطبيق وهناك إدارة حماية المستهلك التي تساعدها في التفتيش وجميعها معنية بالمعروض من الأصناف المنتجة محليا أو المستوردة من الخارج وإدارة الجمارك كبوابة لدخول هذه الأصناف تتلقي التعليمات أولا بأول. وبالرغم من كل هذه السلسلة من الأجهزة الحكومية التي أعدت أو راقبت أو نفذت إلا أننا مازلنا نرى أصنافا من البضائع التي لا تعد ولا تحصي من كثرتها مقلدة أو رديئة تزخر بها أسواقنا؛ نظرا لعدم شمولها بما أسس من قواعد إنتاجية أو مواصفات فنية لان تنوع الأصناف القابلة للاستهلاك يعد بالملايين فلم تستطع كل هذه الأجهزة الرقابية من تغطيتها. وأنا هنا لا أنكر ضخامة الكمية المستوردة من شتي الأصناف ومن مختلف البلدان لان سياسة المملكة هي السوق المفتوحة والتجارة الحرة، ولكن هذا لا يكون مبررا كافيا لإغفال أي صنف من الوصف. حيث إننا نعلم أن هيئة المواصفات والمقاييس السعودية تبدأ بالأهم فالمهم ولم تصل إلى وضع المقاييس المعيارية لكل الأصناف المطروحة في الأسواق ولكنها تركز كل اهتمامها على الصحة العامة من دواء وغذاء وعرجت على منتجاتنا الصناعية والزراعية برغبة وحافز منها على رفع كفاءة الإنتاج؛ لتمكينه من الوقوف في وجه المنافسة الخارجية، وفسح المجال أمامه للدخول إلى عالم التصدير، وهذا شيء طيب يحسب لها. علما بأنها ما زالت مستمرة في إدراج بقية الأصناف ضمن المواصفات السعودية ولكن السيل جارف من تدفقات للمنتج الأجنبي الذي لا يخضع في كثير من حالاته لاشتراطات الجودة وخاصة تلك التي ترد إلينا من شرق آسيا والتي تعتمد على الكم وتتساهل في الكيف مما يسر لها غزو أسواقنا المفتوحة بمنتجات رخيصة ولكنها رديئة مما يصعب على مصانعنا المحلية مهمة المنافسة لخضوعها لاشتراطات الجودة أمام منتجات لا تطبق نفس الشروط، وهذا يشكل هدرا لرؤوس الأموال المستثمرة في منتجنا الوطني الذي نطمح له المنافسة الخارجية وليس المجابهة الداخلية في صراع مع المستورد الردئ مما يخل بتوازن المعادلة ويجعل منتجاتنا المحلية تلهث وراء خلق التوازنات لأخذ حصة لها في السوق المحلي قبل أن تطمرها رياح المستورد. وفي هذه الحالة حري بنا أن نتدخل لحماية منتجنا المحلي وإيجاد الحلول لهذه الفجوة عن طريق اعتماد مواصفات الجودة المطبقة في الدول الأخرى للأصناف التي لم تشملها قوائم هيئة المواصفات السعودية والشروط المعتمدة في الاستيراد لكل صنف وارد من الخارج، حيث إن تلك الأصناف التي لم تشملها المواصفات السعودية لم تنتج لتسويقها في السعودية فقط وإنما هناك دول أخرى تشترك معنا في استهلاك ذات الصنف. فهنا يتوجب علينا محاكاة من لديه اشتراطات ومواصفات للجودة واستنساخها للتطبيق المؤقت حتى تكتمل قوائم مواصفاتنا السعودية وبذلك نضمن أن جميع ما نستورده تنطبق عليه شروط الجودة وننتهي من إغراق الأسواق ببضاعة ليس لها أدني الأسس في الصحة والسلامة من عطور وأدوات تجميل ومواد كيمائية مثل الشامبو والصابون والمزيلات وأدوات الكهرباء ولعب الأطفال والملابس والأحذية وإكسسوارات السيارات وخلافها آلاف الأصناف التي تعج بها المحلات الشعبية وتباع في محلات كل شيء بعشرة وخمسة وريالين. فهل لنا بنظرة جادة نحو التصحيح آمل ذلك.