خلال السنوات العشرين الماضية بدأت تنتشر لدينا ظاهرة غريبة على المجتمع، جاءت كأثر جانبي مُضّر لتقدير الدولة والمجتمع للعلم وأهله، خاصة لمَنْ يحملون شهادات عليا بمختلف تخصصاتهم. هذا الاهتمام والتقدير ولّد الغيرة لدى البعض ممن أحسوا بنقص بسبب عدم ملكيتهم لتلك الشهادات العليا، على الرغم من عدم اهتمامهم شخصياً بالعلم وأهله، وجعل البعض الآخر يرون فيه فرصة سانحة للكسب غير المشروع. هؤلاء الأشخاص بدأوا في ذلك الوقت البحث عمن يبيع لهم تلك الشهادات -مهما كان مصدرها- لكي يقدموا أنفسهم للمجتمع على أساس أنهم أصبحوا الآن من أصحاب الدال (الدكتوراة) غير مبالين بعدم صدق ما يدّعون ومعرفة الكثير من أعضاء المجتمع بكذبهم وكذب المؤسسات الوهمية، التي باعت لهم تلك الشهادات. لقد تجاوز غالبية هؤلاء الأشخاص الحدود الأخلاقية عندما قدموا أنفسهم كعلماء ومدربين وأطباء ومهندسين، فهم بذلك لم يقصروا ضرر شهاداتهم الوهمية على أنفسهم، بل تسببوا في الضرر على مجتمعهم بأن كذبوا ودلّسوا وادعوا لأنفسهم ما لا حق لهم به، فهناك آلاف المتضررين الذين أوهمهم هؤلاء بأنهم قادرون على تقديم العمل المطلوب والنصيحة العلمية، وأنهم يمتلكون الشهادات العلمية، التي تمنحهم هذه القدرة والحق لمزاولة مهنة ما يدّعون تخصصهم به. هذا الداء الحديث استفحل في السنين الأخيرة بين مختلف طبقات المجتمع، فنرى رجال أعمال يملكون ثروات طائلة لم يقاوموا إغراء حرف الدال، فاشتروا من الشهادات الوهمية مثنى وثلاث، وهناك الكثير من المسؤولين في القطاع العام، الذين أصبحوا من أصحاب الدال وهم لم يغادروا مكاتبهم ولو لبضعة أشهر طمعاً في شغل مناصب أكبر، فاستطاع بعضهم أن يتبوأ مناصب قيادية -على الرغم من أن اختيارهم لها تم بناءً على معلوماتهم المزورة- مكّنتهم من اتخاذ قرارات ليسوا أهلاً لها، فأضرّوا بالبلد وأهله. ثم هناك مَنْ أغراهم المال في صناعة التدريب والهندسة والتخصصات الأخرى، فضحّوا بسمعتهم وحياة غيرهم، واشتروا شهادات وهمية بثمن بخس توهموا بعدها أنه أصبح من حقهم أن يعملوا في مجال تخصص ما حصلوا عليه من شهادات زور، وأن يُلقبوا بلقب قريب إلى قلوبهم: سعادة الدكتور. هناك من أبناء البلد المخلصين مَنْ استشعر خطورة هذا الداء وانتشاره السريع بين طيات المجتمع، فسعى إلى مكافحته بالكلمة تارة، وبنشر المعلومات، التي تفضح زيف هؤلاء تارة أخرى، وليس أحد أكثر اهتماماً بهذا الموضوع من عضو مجلس الشورى د. موافق الرويلي، فقد جعل من محاربة داء الوهم هذا هدفاً شخصياً له، يعمل عليه ليل نهار بلا كلل ولا ملل ولا خوف من أصحاب تلك الشهادات الوهمية، الذين يرون فيه مصدر خطر على رزقهم وعلى سمعتهم، التي بُنيت على الزيف. هذا التعدي الصارخ على العلم وأهله من قبل أشخاص لا يردعهم دين ولا أخلاق ولا حب وطن، يجب أن تحاربه الجهة الأولى المسؤولة عن التعليم (وزارة التعليم) والجهات الحكومية الأخرى، التي ترخص لأصحاب المهن، والمسؤولين في القطاعين العام والخاص. كما أن على مجلس الشورى أن يؤدي دوره بالدفاع عن الوطن وحقوق المواطنين، التي تتعرض للاعتداء من قبل أصحاب الشهادات الوهمية، وذلك من خلال استصدار نظام يُجرّم مثل هذا العمل ويدخله ضمن نطاق التزوير والغش والتدليس، ويجعل عقوبته صارمة رادعة.