طائفيّ مأجور، أو قاتل طائفيّ، لا فرق بين الاثنين، في المحصلة هو مرتزق إيران، وصبيها في العراق، وواحد من أبرز عناوين التطرف والغلوّ؛ أفّاق كبير، يحمل بين يديه «بندقية» رديئة، صنّعت هناك في طهران، لتتقيأ قيحاً أنّى ولّت فوهتها. يُفاخر بعمالته، ويحث الخطى إلى وَحلها، لا ترده - عنها - قيمة ولا وطن، تاركاً في ذاكرة العراقيين، بمختلف تنويعاتهم، جرحاً غائراً لا يكاد يغادر سَقَماً، لينكأه مجدداً، وفي الحصيلة «حاضرة» باتت «خرابات متناثرة»، لا تقوى على استعادة ذاتها، ولا استلهام «بارقة حياة» من «الرشيد» بكل مجده. هادي فرحان عبد الله العامري، الملقب ب «أبو حسن العامري»، والمعروف في إيران ب «هادي عامري»، المولود في 1954 بمحافظة ديالى العراقية، شرق العاصمة بغداد، التي نشأ وترعرع فيها كابن عاق، وانتمى فيها إلى الحركة الإسلامية الشيعية في العراق صغيراً، ليغادرها مبكراً ويصطف بيدقاً في الخندق المقابل لوطنه. عراقي الأصل، لكنه إيراني بالجنسية والهوى، فزوجته الإيرانية، التي أنجبت له 3 صبيان وبنتا واحدة، يتخذ وإياها في طهران موئلاً ومسكناً، وتحديداً في «بلدة مفتح»، التي تقطنها غالبية عائلات قادة «فيلق القدس». بدأ العامري حياته العملية في وزارة التربية والتعليم العراقية، بوظيفة «مساعد باحث»، بعد أن تحصّل على درجة البكالوريوس في الإحصاء من جامعة بغداد (عام 1974)، إلا أنه سرعان ما ترك الوظيفة المدنية ليلتحق بصفوف المسلحين الأكراد في شمال العراق، متخذاً من إقليم كردستان مستقراً لمدة سنتين، ومن ثم التحق بمن أغرتهم «ثورة الخميني»، فاتجه مع ما عُرف آنذاك ب «المعارضة الشيعية» إلى سورية، ومنها بدأت سيرته. التحق العامري في بداية الثمانينيات ب «المجلس الإسلامي الأعلى»، وغادر دمشق إلى طهران، ليمضي في إيران سنواته (حتى الاحتلال الأمريكي عام 2003) حاملاً بندقية ضلّت وجهتها، فساهم في قتال بلاده طوال سنوات الحرب العراقية – الإيرانية، ضمن صفوف مشاة «الحرس الثوري الإيراني»، مروراً بمشاركته في قسم الاستخبارات الإيرانية. في وقت مبكر من الصراع مع العراق، أسست الاستخبارات الإيرانية، بإيعاز مباشر من «آية الله الخميني» (وفق ما تورده الوثائق والمراجع التاريخية)، «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق»، الذي صار لاحقاً «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، ليكون ذراعاً عراقياً شيعياً مُلحقاً - سياسياً وعسكرياً وعقائدياً - بطهران، وسارعت إلى تشكيل جناح مسلح له تحت اسم (بالفارسية) «لشكر 9 بدر»، وتعني بالعربية «لواء 9 بدر»، ووضع تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني المباشر. العامري ساهم في تأسيس «لواء 9 بدر»، وقاد العديد من العمليات المسلحة في جنوبالعراق، وتحديداً في منطقة الأهوار، وتمكن من تولي مناصب عديدة إثر خلافات اندلعت بين محمد باقر الحكيم وقيادي شيعي بارز آخر يدعى أبو علي البصري، وصولاً إلى عزل البصري، ما أتاح له التقدم في التراتبية داخل «لواء 9 بدر». في الحرب العراقية - الإيرانية (حرب الخليج الأولى)، شارك العامري في المعارك إلى جانب القوات الإيرانية، موجهاً فوهة بندقيته إلى صدور أبناء جلدته، وتولى عملية التحقيق مع الأسرى العراقيين لدى الفرس، واتُهم بتعذيب وتصفية أعداد منهم، خاصة الذين رفضوا الانضمام إلى ما سمي حينها ب «قوات التوابين»، والمقصود بهذه التسمية الجنود الذين أعلنوا «التوبة» من نظام الرئيس صدام حسين، وقبلوا التعاون مع «لواء 9 بدر» والسلطات الإيرانية واختاروا عدم العودة إلى بلادهم. خلال الحرب، عمل العامري تحت لقب «معاون مسؤول قوات الإمام الخميني»، وهي القوات التي نفذت العديد من العمليات داخل العراق، وساهم إلى حد كبير في «انتفاضة 1991»، التي اجتاحت جنوب البلاد بعد «حرب الخليج الثانية»، ومن ثم كُلِّفَ بمسؤولية «ملف عمليات لواء 9 بدر»، وتركزت مهمته في تأسيس مجموعات محلية موالية لطهران، تعمل على إضعاف الجبهة العراقية الداخلية، وصولاً إلى عام 1997 حيث عيّن رئيساً لهيئة أركان اللواء، ومن ثم قائداً ل «فيلق بدر» (عام 2002). خلال إقامته في إيران، خضع العامري لدورة في كلية القيادة والأركان (تُعرف إيرانياً ب «دافوس») التابعة ل «جامعة الإمام الحسين» في طهران، وهي الدورة التي عززت من صعوده بوصفه «عميلاً موثوقاً» إذ تكشف الوثائق عن «ارتباط رسمي» له ب «الحرس الثوري الإيراني»، وتذكر رقمه (3829597) في سجلات رسمية تمنحه رتبة موازية لرتبة «عميد»، فيما يرتبط إدارياً - بشكل مباشر - مع قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» اللواء قاسم سليماني. بعد الاحتلال الامريكي للعراق، وانهيار نظام الرئيس صدام حسين، عاد العامري إلى العراق على رأس «لواء 9 بدر»، ولكن بمسمى آخر، وهو «منظمة بدر»، التي تجرّدت من هويتها العسكرية/ الميليشياوية المُعلنة، وانخرطت في العملية السياسية الناشئة، وساهمت في إعادة تشكيل المؤسسات الحكومية والأمنية، واندمجت في المؤسسة الأمنية كاستجابة لقرار الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، القاضي بحل كافة الميليشيات عام 2004. العامري، بعد عودته إلى العراق لم يتخل عن «الأجندة الفارسية»، الساعية إلى تمكين طهران من بلاده، وتقويض مختلف القوى المعارضة لنفوذها، وهو ما تحقق عملياً في فرض هيمنة «الحرس الثوري الإيراني» و«فيلق القدس»، المدرجين على قائمة المنظمات الإرهابية، على الأجهزة الأمنية والعسكرية والإدارية العراقية، وهو ما قاد - بالضرورة - إلى سيطرة «منظمة بدر» على العديد من المفاصل المهمة. «منظمة بدر»، التي أعيدت هيكلتها بعد الاحتلال الأمريكي بوصفها جهة مدنية سياسية، لم تتخل فعلياً عن بنيتها الميليشياوية، وعملت على اعادة تشكيلها ضمن «رؤية» وضعها العامري بالتعاون مع قيادة الحرس الثوري الإيراني، تتضمن 4 تشكيلات، هي: 1- قوة المختار: وتتولى اغتيال البعثيين من مختلف المراتب الحزبية، فيما تركز عملها في المحافظاتالعراقيةالجنوبية. 2- قوة الثأر والانتقام: وتتولى اغتيال ضباط الجيش العراقي السابق (جيش صدام حسين)، وكذلك ضباط الأمن والمخابرات العراقية، مع تركيزها على المكلفين بالأقسام الخاصة بإيران. 3- التشكيلات الرسمية: وهي تشكيلات مسلحة جرى تنظيمها في الأجهزة الأمنية والعسكرية الناشئة في أعقاب الاحتلال الأمريكي، وخضعت لتدريب وتسليح أمريكي، وشاركت إلى جانبه في العديد من العمليات العسكرية. 4- سرايا مالك الأشتر: وهي عبارة عن ميليشيا مسلحة تولت مهمة تنفيذ أعمال قتل طائفي على الهوية، وكذلك تتبع علماء التصنيع العسكري العراقي لتصفيتهم أو اختطافهم وتسليمهم إلى إيران. في عام 2005 افتضح أمر العامري، إذ كشفت قوة أمريكية النقاب عن تورطه في إنشاء وإدارة «معتقلات سرية»، مخصصة للاحتجاز خارج إطار القانون، تضم مئات المعتقلين الوطنيين (غالبيتهم من المذهب السنيّ)، الرافضين للنفوذ الإيراني المتنامي في العراق، ويمارس فيها شتى صنوف التعذيب والتصفية الجسدية، بيد أن هذا لم يكن رادعاً، خاصة مع تصاعد قوته ونفوذه في مؤسسات الحكم الناشئة، ليؤسس تالياً (بين عامي 2005 و2006) ما عُرف ب «الجهاز المركزي»، التابع لوزارة الداخلية العراقية، الذي عمل على اخضاع مختلف مراكز القوة والقرار في الدولة للتبعية الإيرانية. سياسياً، تقدم العامري إلى الواجهة عبر صناديق الاقتراع، التي أيضاً خضعت إلى «مزاج طائفي» حاد، كان قد بلغ ذروته، ليشغل عضوية مجلس النواب العراقي أكثر من دورة انتخابية، ومن ثم ليُصار إلى اختياره رئيساً للجنة الأمن والدفاع النيابة، ومن ثم وزيراً للنقل خلال ولاية المالكي. في استعراض سيرته السياسية، ثمة حوادث عدة تستدعي التوقف عندها، لعل واحدة منها حكاية تقبيله يد المرشد الإيراني «آية الله خامنئي»، إذ تشير الروايات إلى تنامي مخاوف خامنئي (خلال سبتمبر 2011) من صعود موجات «الربيع العربي»، خاصة بعد أن بدأت موجاته تضرب نظام بشار الأسد، الذي يعد أهم حلفاء طهران في المشرق العربي. استدعى خامنئي العديد من أدوات إيران في المنطقة العربية، لحضور مؤتمر «المجمع العالمي لأهل البيت»، الذي هدف في جوهره إلى «بحث سبل تجنيب المشروع الإيراني الانهيار»، فيما شارك العامري، الذي كان آنذاك وزيراً للنقل في حكومة نوري المالكي، في الاجتماعات بصفته واحداً من أهم الموالين لنظام الملالي، فيما تعمدت وسائل الإعلام الإيرانية بث مشاهد تقبيل العامري ليد خامنئي موحية بمتانة العلاقة بينهما والاطمئنان له في خدمة المشروع الفارسي في العراق. ثمة «خدمات جليلة»، قدمها العامري ل «ملالي طهران» خلال تسنمه وزارة النقل العراقية، التي امتدت حتى عام 2014، من بينها تسخير كافة مرافق وزارة النقل، التي غصت بعناصر وكوادر «منظمة بدر»، لصالح خدمة «الأجندة الفارسية»، التي كان من بينها: 1- ايجاد وسيلة للالتفاف على الحصار المفروض على إيران. 2- تسهيل عملية تنقل أعضاء «الحرس الثوري الإيراني» و«فيلق القدس». 3- ايجاد قنوات سرية لنقل السلاح والعتاد بين طهران وحلفائها، وتحديداً نظام الأسد وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن. 4- «ملف نقل النفط»، إذ سخّر، لأجل تهريب النفط الإيراني الذي خضع للحصار، طاقات وزارة النقل كافة. 5- فتح مركز تدريب لميليشيات «منظمة بدر» داخل حدود مطار بغداد، الذي يخضع إدارياً لوزارة النقل. طوال مكوثه في وزارة النقل، لم يتخل العامري عن نهجه الطائفي، ففي يوليو 2014 اختطفت «منظمة بدر» نحو 15 عراقياً سنياً، زاعمة أنهم موالون ل «تنظيم داعش»، من مناطق متعددة، وأعدمتهم وعلّقت جثثهم على أعمدة الإنارة وفوق الجسور، وهي الجريمة التي أثارت انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية حول العالم. إلى جانب هذه الدموية، لكن سيرة العامري في وزارة النقل تضمنت نوادر، مضحكة ومبكية في آن واحد، من بينها رفضه السماح لطائرة لبنانية، قادمة من بيروت باتجاه بغداد، بالهبوط في مطار بغداد الدولي، لعدم نقلها نجله، الذي تأخر عن موعد إقلاعها، لتعود أدراجها إلى مطار بيروت، وهي الحادثة التي ظلت مثار تندر لبناني وتسببت في حرج كبير للحكومة العراقية، التي عجزت عن تقديم تبريرات مقنعة. التحوّل الأحدث، وربما الأهم، في سيرة العامري، بدأ بعد انفصاله عن «المجلس الإسلامي الأعلى»، وانضمامه إلى «ائتلاف دولة القانون»، إذ استطاع المشاركة في انتخابات 2014 بكتلة تحت اسم «بدر»، وفاز ب 22 مقعداً، محاولاً تولي حقيبة وزارة الداخلية، إلا أن معيقات عراقية ودولية، استندت إلى سيرته الدموية، حالت دون ذلك، ما أفضى إلى تسليمها لنائبه محمد الغبان. سعي العامري إلى وزارة الداخلية العراقية ترافق مع «فتوى الكفائي»، التي أطلقها المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني، وهدفت إلى تعبئة القوى الشيعية من أجل التصدي لتمدد «تنظيم داعش»، الذي كان قد سيطر، في صيف عام 2014، على عدة مدن ومحافظات عراقية ذات غالبية سنية، في مقدمتها الموصل. أدرك العامري، بصدور الفتوى، أن ثمة مهمة ستكرس مكانته لدى إيران، وبالتالي في العراق، فضلاً عن حقيقة أنها تتناغم تماماً مع وجهته «الطائفية»، خاصة أنها تستهدف المناطق السنية الخاضعة لسيطرة «تنظيم داعش» كنتيجة لضعف القوات الحكومية، التي استند بناؤها إلى معايير «دون وطنية»، ما أدى إلى انهيارها سريعاً في أول مواجهة. في وقت سابق، عملت إيران على خلق «هياكل سلطوية» داخل العراق تشابه تلك القائمة لديها، وذلك ضمن «مخطط إلحاقي» لبغدادبطهران، فيما شكّل العامري الأداة التنفيذية لهذه الخطة، وهو ما ظهر جلياً تزامناً مع «الهبّة الدولية» لمواجهة «تنظيم داعش». حين تداعت الميليشيات المسلحة (الشيعية) في العراق، أو ما يسمى «الحشد الشعبي»، لمواجهة «تنظيم داعش»، سجلت قائمة طويلة من الانتهاكات الحقوقية الواسعة بحق «أهل السنة» في المناطق التي دخلتها، تضمنت عمليات قتل وتعذيب وتشريد وتدمير ممتلكات على أساس طائفي، فيما لم تتخذ قوات الحكومة العراقية، التي «تمسكت بضعفها»، إجراءات تذكر لتقوم بدورها الوظيفي، ما خلق فراغاً سلطوياً سعت أدوات طهران إلى تعبئته عبر مؤسسة رديفة ل «الحرس الثوري الإيراني»، هي «قوات الحرس العراقي»، التي سترث عملياً «الحشد الشعبي / الشيعي». المؤسسة الرديفة، أو «قوات الحرس العراقي»، التي يتولى أمر تنظيمها العامري بالمشاورة مع قاسم سليماني، بنيت عقيدتها القتالية وفق العقيدة التي يحملها «الحرس الثوري الإيراني»، وتلقى عناصرها تدريبات على أيدي عناصر «فيلق القدس»، ما يعني بالضرورة أنها ستؤسس لمرحلة جديدة في العراق الممزق طائفياً، وقد تؤدي إلى نموذج رديف ل «الحكم الكهنوتي» في إيران. هادي العامري، الذي أخفق - أخيراً - في تحقيق «نصره المزعوم» في الفلوجة، ووصف ما جرى ب «خيانة الحكومة العراقية»، التي يترأسها د. حيدر العبادي، رغم كل الجرائم المرتكبة هناك، يعتبر واحداً من أخطر الموالين لإيران، فيما تشي كافة المعطيات بأنه رأس الحربة في تنفيذ «الأجندة الفارسية» في العراق.