بمرور عام على انطلاق حلقة هي الأشرس من مسلسل العنف الطائفي في العراق؛ فقد أصدر المرجع الشيعي علي السيستاني في 13 يونيو 2014 فتوى «الجهاد الكفائي» التي استجاب لها مئات الآلاف لتكوين ميليشيات طائفية جديدة جنباً إلى جنب مع الميليشيات الموجودة على الأرض التي استجابت للفتوى لتكوين ما عرف باسم «الحشد الشعبي» الذي يتكون من 42 ميليشيا لا تخفي تلقيها دعماً واشرافا من إيران، دون ان يكون للحكومة أي سلطة فعلية عليها، بل أصبحت الحكومة رهينة لهذه الميليشيات. جرائم إبادة ولفتت جرائم الحشد الشعبي ضد السنة والتي بلغت حد الإبادة العرقية إلى مدى خطورة هذه الميليشيات، وأثارت علامات استفهام حول دورها في محاولات التمدد الإيراني في المنطقة. وعلى سبيل المثال اعتبر ديفيد بتريوس, الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية, أن الخطر الحقيقي على استقرار العراق والأمن في المنطقة على المدى الطويل يأتي من ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، وليس من تنظيم داعش. ويؤكد أن تجاوزات الميليشيات الشيعية ضد المدنيين السنة تشكل تهديدا لكل الجهود الرامية لإقرار السلام في العراق. وتنوعت الجرائم الموثقة للميليشيات المدعومة من إيران ضد المدنيين السنة بين القتل على الهوية في عدة محافظات، وإعدام الأطفال، واغتصاب النساء، وتدمير المساجد، والتهجير القسري للاسر السنية بهدف إحداث تغييرات ديموغرافية. بالإضافة إلى إحراق مناطق بالكامل كما حدث في بوعجيل التابعة لمحافظة صلاح الدين. واعترفت الميليشيات بتلك الجرائم فقد أصدر فيلق بدر بياناً اكد فيه أنه سيدخل محافظة صلاح الدين ويعتبر كل من فيها دواعش سواء حمل السلاح أم لا، مؤكدين أنها حرب بلا أسرى. ونفس الامر بالنسبة لميليشيا عصائب الحق التي أكد مسؤولوها أنها ستقوم «بتطهير» الأرض والأخذ بالثأر لكل شيعي قتله تنظيم داعش. دعم ايراني علني واللافت في الموقف الراهن أن الدعم الإيراني لهذه الميليشيات الطائفية بامتياز لم يعد سرياً أو غير مباشر؛ بل إن الطرفين: إيران، والميليشيات لا يخفيان الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه طهران. وبعد أن كانت تسريبات تظهر هنا أو هناك عن مشاركة خجولة لعناصر إيرانية بين صفوف تلك الميليشيات، تغير الوضع كثيراً وبدأ قادة إيرانيون كبار بحجم قاسم سليماني وغيره في الظهور مع زعماء الميليشيات علانية. كما نشرت صور لهم في أرض المعركة داخل الأراضي العراقية أو السورية. ومن جانبهم لا يفتأ قادة العشائر يكررون أن ولاءهم الأول للمرشد الأعلى، ولإيران. وليس أدل على الدور الإيراني في المشهد الطائفي في العراق من تولي المهندس جمال جعفر إبراهيم (أبو مهدي) منصب نائب رئيس هيئة قوات الحشد الشعبي. ويرتبط اسم المهندس بالإرهاب لضلوعه بتفجير السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت 1983، وبالجرائم الطائفية فلا ينسى العراقيون الفيديو الذي يقوم فيه بتنفيذ حكم الإعدام بعراقيين أسرى لدى إيران في 1985. وفي أول ظهور علني له مطلع العام الحالي قالها دون مواربة في مؤتمر صحفي من المنطقة الخضراء إنه يمارس دور القائد العسكري والمنسق مع قوات الحرس الثوري الإيراني. وعلى المستوى الرسمي لا تنكر الحكومة الدعم الإيراني؛ فقد اعترف وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، في تصريحات، بأن إيران تقدم «دعماً كبيراً» لميليشيات الحشد الشعبي المتحالفة مع القوات العراقية. وقال إنه حين يحتاج الجيش العراقي شيئاً لدى إيران فإنه يستفيد منه. وقال مسؤولون عراقيون -في تصريحات لرويترز- إن الإيرانيين ساعدوا في تنظيم المتطوعين من الشيعة وقوات الميليشيا. سرايا السلام أسسها مقتدى الصدر قبل يومين من فتوى السيستاني. وعقب صدور الفتوى قدمت الميليشيا استعراضاً عسكرياً في مختلف المحافظات قام فيه عناصر السرايا بحمل أسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة تتقدمهم راجمات ومدافع وصواريخ «مقتدى واحد»، يُعتقد أنه تلقاها من طهران. وجاء في البيان التأسيسي لها أن دورها سيقتصر على حماية دور العبادة بشكل عام دون الانخراط في القتال. ويتكون التنظيم من ثلاث فرق، كل فرقة تتكون من أربعة ألوية واللواء يتكون من أربعة أفواج والفوج يتكون من سرايا عدة تتكون الواحدة من 60 إلى 120 متطوعا وقد احتوت كل محافظة من محافظات الوسط والجنوب العراقي على لواء واحد أو اكثر يتبع لميليشيا التيار الصدري. وقد حرصت السرايا على التأكيد أن مهمتها دفاعية فقط لحماية دور العبادة نظراً لما أحاط بالميليشيا التي خرجت من رحمها سرايا السلام وهي: جيش المهدي من اتهامات بالتورط في عمليات إبادة طائفية وقتل على الهوية. وقد أسسه مقتدى الصدر في 2003 وكان بمثابة الجناح العسكري للتيار الصدري. ويبلغ عدد أفراده 60 ألفاً، ويتلقى دعمه وتسليحه وتدريبه من إيران. وبعد معارك مع القوات الأمريكية في بداية تأسيسه قام جيش المهدي بتسليم سلاحه للجنة عراقية- أمريكية، وهدأت أنشطته ليعود مع تفجير مراقد شيعية في 2006. ومع تكرار الانتهاكات التي قام بها جيش المهدي ضد السنة اضطر مقتدى الصدر للاعتراف بوجود ما سماه «عناصر مجرمة وفاسدة» بين صفوفه. وفي 2009 ومع تزايد الانتهاكات التي وصلت إلى حد الإبادة الطائفية، أعلن الصدر تجميد ميليشيا جيش المهدي في 2009. عصائب أهل الحق أسسها قيس الخزعلي بعد أن انشق عن التيار الصدري. وكانت في بدايتها في العام 2004 تحمل اسم «المجاميع الخاصة» التابعة لجيش المهدي بقيادة الخزعلي. وفي 2006 بدت أكثر استقلالية عن بقية سرايا جيش المهدي، إلى أن أعلن تأسيسها الرسمي في 2007. وتتلقى ميليشيا العصائب الدعم من قائد فيلق القدسالإيراني، وقد أعلن ممثلها في إيران بيعة العصائب وولاءها للمرشد الأعلى علي خامنئي خريف العام 2014. ويزيد عدد مقاتليها عن 10 آلاف مقاتل يقاتل عدد كبير منهم إلى جانب بشار الاسد في سوريا، وتمتلك العصائب هاونات وصواريخ ورشاشات. ولدى العصائب مصانع تنتج صواريخ من طراز «الأشتر» وصواريخ أخرى استخدمت في معارك عزيز بلد. وقد تحولت العلاقة بين الصدر والخزعلي إلى عداء شديد لا سيما بعد أن ألقى الصدر بمسئولية الجرائم الطائفية على العصائب دون غيرها مطالباً إيران بوقف تمويلها. وقد أقرت الميليشيا بالضلوع في اعمال العنف الطائفي في 2006 و2007. وفي العام الماضي اعتمد عليهم المالكي بشكل سري للقتال إلى جانب القوات العراقية. واتهمها السكان السنة بارتكاب انتهاكات بحقهم في ديالى ومناطق حزام بغداد بلغت حد إعدام العديد منهم دون محاكمة وتعليق جثثهم بأعمدة الكهرباء، وكذلك مهاجمة المساجد. فيلق بدر تأسس في العام 1981 على يد المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم في طهران العام ويتلقى الدعم والتدريب والتسليح من إيران. يرفض الفيلق المشاركة في التحالف مع الولاياتالمتحدة، ولا يخفي عمله «تحت أمر ولاية الفقيه». كما يقر أن عناصر توجهت إلى جبهات القتال في سورياوالعراق بتكليف شرعي من خامنئي قبل إصدار فتوى السيستاني. ويبلغ عدد أفراد فيلق بدر 12 حوالي ألف انخرط عدد كبير منهم في الأجهزة الأمنية العراقية المختلفة وتبوأوا مناصب قيادية. وتمت تسمية محمد الغبان القيادي بالميليشيا وزيراً للداخلية في حكومة العبادي، ساعياً لإشراك المنظمة في إدارة الملف الأمني، وهو ما ترفضه قيادات سنية. ويتولى زمام قيادة الفيلق هادي العامري –وزير النقل في وزارة المالكي- الذي يقوم بالإشراف المباشر على العمليات العسكرية التي يقوم بها الفيلق الذي يتهم بالضلوع في تصفية العديد من قادة الجيش العراقي. وبالنسبة للتسليح يمتلك بدر الرشاشات والمدفعية والراجمات. كتائب حزب الله العراقي تعد الأكثر سرية بين الميليشيات المسلحة في العراق. قيادات هذا التنظيم غير معروفة، والتنسيق يكون مباشرة مع الجانب الإيراني دون غيره. وقد اكد بيان للكتائب أن ولاءها الأول لإيران. تمتلك سلاحًا خفيفًا ومتوسطًا وتعتمد حين الحاجة على دعم ناري إيراني مباشر بالسلاح الثقيل. ويتبع حزب الله العراقي ميليشيا جيش المختار التي يتزعمها القيادي الديني واثق البطاط الذي يجاهر بالولاء المطلق لطهران مصرحاً انه سيقاتل إلى جانب إيران إذا دخلت في حرب ضد العراق لأن خامنئي معصوم من الخطأ على حد زعمه. وينشط جيش المختار في قتل السنة واصفاً إياهم بالنواصب الوهابيين. كتائب سيد الشهداء انشقت عن حزب الله بالتزامن مع فتوى السيستاني. يتميز مقاتلو الكتائب بالمستوى التعليمي العالي يفيد منهم في امتلاك جميع التخصصات التي تحتاج إلى مستوى تعليمي عالٍ. ويتراوح عدد عناصرها بين 3-4 آلاف يمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة بينما يوفر لهم الجيش العراقي التغطية النارية بالأسلحة الثقيلة. سرايا الجهاد والبناء الجناح العسكري للحركة السياسية التي تحمل نفس الاسم، والتي تشكلت باندماج حزب الله العراق وحركة سيد الشهداء وحزب النهضة. وترتبط السرايا بعلاقات وثيقة بالمرشد الأعلى خامنئي من خلال أمينها العام حسن الساري الذي قضى سنوات طويلة في إيران. وهو وزير سابق، وأحد قيادات المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بقيادة عمار الحكيم. ويبلغ عدد عناصر السرايا 3 آلاف يمتازون بالشراسة، والتطرف العقدي. وتعتبر السرايا هي جناح المجلس العسكري البديل عن فيلق بدر. سرايا عاشوراء تكونت على اثر فتوى السيستاني كجناح عسكري للمجلس الاعلى الإسلامي العراقي. تمتاز عناصرها البالغ عددها خمسة آلاف بحسن التنظيم، والخبرة التي اكتسبوها سابقاً من منظمة بدر. سرايا الخراساني تشكلت في العام 2013 باعتبارها جناحاً عسكرياً لحزب الطليعة الإسلامي بدعوى حماية المقدسات في سوريا. تعلن الكتائب بوضوح أن مرجعيتها خامنئي، ويشارك ضباط إيرانيون في صفوفها ومنهم العميد حميد تقوى الذي قتل في معركة عزيز بلد.