كانت الاحتجاجات العراقية التي بدأت في ديسمبر 2012 والتي استمرت حتى نهاية ابريل 2013، وعبرت آنذاك عن حركة شعبية نشطت في المناطق ذات الوجود السني في مناطق مثل الرمادي وصلاح الدين والموصل وكركوك، وتبعتها مناطق متفرقة من بغداد مثل الأعظمية والدورة وكذلك في ديالى، تعبيرا واضحا عن التهميش والإهمال والفساد الذي دفع الناس لرفض بقاء رئيس الحكومة نوري المالكي المدعوم إيرانيا. ويومها طالب المتظاهرون خلال عمليات اعتصام مشهودة باطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية وايقاف نهج الحكومة الذي وصفوه بال«طائفي» والغاء المادة الرابعة المتعلقة بالارهاب وقانون المساءلة والعدالة من الدستور العراقي، وانشاء اقليم «سني». ومع أن المظاهرات تخللها اطلاق مبادرات للحل ابرزها مبادرة رئيس البرلمان اسامة النجيفي الداعية لرحيل الحكومة واجراء انتخابات مبكرة، ورافق ذلك تحول في مطالب المعتصمين إلى اسقاط النظام الحاكم ذي الاغلبية الشيعية وايقاف ما وصف بالتدخل الإيراني في العراق، إلا أن الأمر انتهى باشتباكات مسلحة، وتحقيق بعض مطالب المعتصمين الذين ظل حلم الاقليم السني يراودهم كرد فعلٍ على التغول الشيعي الصفوي وليس على النسيج العراقي الحضاري الذي تعايش فيه السني مع الشيعي والصابئي والزيدي والكردي بسلام قبل صعود الطائفية المقيتة إثر سياسة ونهج حكومة نوري المالكي وإيران. حققت اعتصامات الساحات العراقية ازاحة نوري المالكي الذي تمتع بحصانة ايرانية ضد المحاسبة على فساده، والذي قدم العراق لقمة سائغة لايران وداعش معا، وجاءت حكومة حيدر العبادي لتعيد العراق لوحدته وتنهي التهميش للسنة وتنصفهم وتنهي الفساد المالي الكبير. وما تحقق من ذلك شيء، فنهض التيار الصدري في بغداد محاولا استعادة المال العراقي المنهوب واعتصم في بغداد، واقتحم البرلمان والمنطقة الخضراء، في مواجهة لم يعرف إن كانت مدروسة من السيد مقتدى الصدر، أو أنها أتت بشيء حقيقي لوقف الهدر والفساد واستعادة العراق ووقف سيل الدماء. وتزامن ذلك مع انفراط الحكومة ورفض تشكيلة العبادي، والبدء بتحضيرات استعادة الفلوجة والموصل من يد داعش. وفي ظل هذا الوضع، صعد النقد السياسي العراقي ضد مليشيات الحشد الشعبي كونها ايرانية الهوى والقلب والقيادة، ودافع رئيس الحكومة عنها وعن دورها، فهو لا يملك القرار تجاهها، ليدفع بها في معركة تحرير الفلوجة التي ليست وحدها المكلومة عراقيا، به هو العراق كله جريح، وغارق في الصراعات والارباك والفوضى، وذلك نتيجة لهيمنة إيرانية ارادت للعراق أن يكون مسرحا للنفوذ والتصرف بشؤونه في ظل مواجهتها مع المركز والثقل السني في المنطقة وهو المملكة العربية السعودية التي تدافع عن استقلال اليمن من تدخل ونفوذ ايراني لا يقف هناك وحسب، بل يمتد لمناطق ودول عربية أخرى على رأسها لبنان وسوريا. نعم ثأر المالكي من المناطق التي اعتصمت ضده ومن مكونها السني، فما كان منه إلا أن سلم الموصل وبقية المناطق إلى داعش، ليأتي الحديث اليوم عن معركة تحرير الفلوجة وانهاء الوجود الداعشي فيها والذي حدد هدفا للحملة العسكرية العراقية المشتركة والمتعددة القوى، والتي تحظى بدعم امريكي لاخراج مقاتلي داعش الذين تحصنوا في المدينة التي تعد رمزا للمقاومة العراقية والتي اخرجت القاعدة بتنظيم الصحوات، وقبل ذلك كانت مركزا للمقاومة العراقية ضد الوجود الأمريكي منذ العام 2004، وهكذا يرى رموز وقادة سياسيون عراقيون موقع الفلوجة في العراق، فهي مستهدفة لأنها ذات حضور وطني وتمثل مدينة سنية تقاوم هيمنة شيعية ايرانية تتصرف اليوم بثأرية مقيتة تسفر اليوم عن تدمير البيوت والمساجد والبنية التحتية للمدينة وتخلق زمنا طائفيا جديدا. نعم تسيطر داعش على المدينة، وتتحصن فيها، وبنت منظومة دفاعية يشرف عليها أكثر من 900 مقاتل داعشي، لكن ما يجري من قتال قبيل الوصول للهدف الرئيس هو مجازر ثأرية ترتكبها مليشات الحشد الشعبي، والتي دمرت عشرات المساجد السنية التي تشتهر بها الفلوجة التي تأخذ رمزيتها عراقيا وعروبيا وسنيا من مقاومتها للاحتلال الاميركي العام 2004 ومن ثم دورها المجيد في دحر القاعدة من غربي العراق عبر منظومة الصحوات العراقية، وهو أمر لم تقدره حكومة المالكي لاحقا لا بل اسهمت في تعميق الظروف السيئة في المناطق التي عاندت الاحتلال الاميركي والهيمنة الإيرانية. للأسف يبدو أن نتيجة هذا الصراع، ستكون وخيمة، وإن اخرجت او دمرت قوة داعش في ميادين القتال، فقد تخلق ظروفا لظهور نزعة متطرفة جراء السياسات والأساليب المستخدمة اليوم تحت غطاء التحرير، والتي يراها كثيرون تصرفات ثأرية صرفة، وهذا من شأنه تعميق احساس السنة بهويتهم المستقلة والرافضة لأي سلطة مركزية لا تملك الحلول ولا القرارات وانما تأتيها الأوامر من طهران. وفي مجمل النتائج يزداد نزوح السنة عن مدنهم وقراهم. وتتغير خارطة السكان، وهناك اليوم اكثر من مليون سني عراقي مهجر او مقتلع من بلده وهم لاجئون داخل العراق. داخل وطنهم الذي دافعوا عنه. وفي المقابل دخل العراق اكثر من مليون ايراني قيل انهم هجروا من وطنهم العام 1981.