الفساد يعني استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية، وشيوعه يهدد استقرار وأمن الأوطان وكرامة وحرية المواطن، وهو من أخطر أعداء التنمية، بل هو عامل من عوامل التطرف لأنه يدمر ثقة الناس بالسلطة الشرعية. ورغم أن الفساد مستقبح لدى العموم إلا أنه يزداد تعقيدا مع إهماله، ولا تكاد تخلو حكومة من وجوده، وهو موجود بنسب متفاوتة وصور مختلفة في الحكومات، وله تأثيرات مدمرة على تنمية المجتمعات وحقوق وكرامة ورفاهية الأبرياء، وأثره أشد عندما يفشو في القضاء وفي المصالح والموارد العامة والقطاع الخاص من قبل شبكات الفساد المنظمة؛ فعندها يشعر الناس بمرارة الظلم والعجز عن صده وتحقيق إمكاناتهم، ويرون بالمقابل أن طبقة من الناس يقومون بإثراء أنفسهم على حساب الشعب، فيصاب الناس بالإحباط ويتزايد تراكم احتقانهم الذي قد يؤدي لخلل كبير في العدالة الاجتماعية واضطرابات أهلية وصراع عنيف. إن العديد من الأزمات الأمنية العالمية تطورت بسبب تراكم الظلم والفساد، وتولد عن ذلك سخط واسع قد تندلع شرارته من أتفه الأسباب، كما أحدث أثر عناد وتعالي شرطية فاسدة إشعال بائع فاكهة النار في نفسه؛ فأشعل ذلك فتيل نقمة عامة على الظلم في بلد بأسرها ثم تولد عنه اندلاع ثورات مماثلة في العالم العربي، يطالب فيها الناس باعتقال وزراء ومسئولين ومحاكمتهم ورفع الظلم والفساد عنهم واستعادة الأموال المنهوبة منهم. إن البلدان التي يتباهى فيها المسئولون الحكوميون بثرائهم وبالقدرة على فعل ما يريدون والإفلات من العقاب، تكون وسيلة للمتطرفين لتأجيج غضب الناس على أنظمتهم، ومن تلك الحالة السيئة يؤسس المتطرفون في وجدان الناس أن الطريقة الوحيدة لاستعادة النزاهة العامة تكون بالانتقام والعنف حيث لا يوجد بديل قابل للتطبيق للمنكوبين من ذلك الفساد. إن مغبة الفساد وشناعة الظلم قضية واضحة لدى الناس، ولكن الضعف يكمن في الوضوح المتعلق بكيفية محاربته والقضاء على شبكاته في المجتمعات. إن توسع مداخل الفساد وشبكاته يوجب على الحكومات تحليل مشكلاته بدقة، وبشكل أكثر فاعلية ويستدعي تحسين جمع المعلومات الاستخبارية والبيانات لتوسيع دوائر محاربته، وتأسيس مداخل النقد والمشاركة في الرقابة، لأن الفساد اليوم أصبح ممارسات منظمة، ونتاج عمل شبكات معقدة تشبه الجريمة المنظمة يتواصل فيها العملاء الفاسدون من خلال تلك الشبكات، والواجب دراسة تلك النشاطات وتداعياتها بنفس الطريقة التي تدرس بها المنظمات الإجرامية أو الإرهابية العابرة للحدود. إن الكثير من النفوذ الحقيقي للفساد يستوطن الأوطان، في القطاعات المالية والعقارية المحلية والجهات المرتبطة بها وبمشاريع التنمية وفي شركات المقاولات والعلاقات العامة والمحاماة التي تلمع من صور الفاسدين. ومن أهم استراتيجيات معالجة أسباب الفساد العمل على أن تكون أجور موظفي الخدمة المدنية معقولة، حتى لا يجد الموظفون أنفسهم تحت ضغط تكملة دخولهم بطرق فاسدة، مع توسيع دائرة الشفافية والانفتاح في الإنفاق الحكومي، لتقليل فرص وقوع المخالفات والاستغلال، ورفع سقف حرية النقد في الإعلام والصحافة ليساعد ذلك على تثقيف المجتمع وكشف المخالفات وغلق ثغرات الفساد، وتعزيز المشاركة الوطنية للحد من الفساد، مع القضاء على البيروقراطية والتخلص من القوانين والبرامج واللوائح التي قد تستخدم في تعطيل الإجراءات وفتح منافذ للفساد، مع نشر التكنولوجيا الذكية التي تضمن مستويات كافية من الانفتاح، وتكافؤ الفرص أمام الموردين، وتقضي على الخلل في التحصيل والمشتريات العامة وإرساء العقود والمناقصات وتقليص السلطة التقديرية البيروقراطية في كل ذلك، وتعزيز الاتصال المباشر بالمسئولين الحكوميين لسد الثغرات التي قد تفسح المجال للفساد، وهذه الأداة مهمة في محاربة الفساد تقلل فرص الفساد، وتمكن من التبليغ عنه وتعزز الشفافية ودور المساءلة، وعندما يتم الجمع بين التقنية الذكية والشفافية والإصلاحات الحكيمة في السياسات ودقة الرقابة والمتابعة وفتح أبواب النقد سيحاصر الفساد، وتطبيق هذه المقترحات لن يكون سهلا، فلابد من تطوير دائم لجهود مكافحة الفساد لتكوين دور حيوي في محاربته.