الاقتصادية - السعودية الفساد كلمة ممقوتة وغير محببة إلى النفس، ولا يحب حتى أشد الناس فساداً أن ينادوا بها، بل يتهمون المصلحين بالإفساد، فهذا فرعون يتهم موسى – عليه السلام – بالفساد كما ورد في كتاب الله- سبحانه وتعالى. ويحاول الفاسدون والمفسدون تبرير تصرفاتهم وشرعنتها بشتى الحجج والتبريرات، كتسريع إنهاء الإجراءات، وحرية الأسواق، بل إن كثيراً من الناس يصفون بعض أنواع الفساد كالرشوة مثلاً بالعمولة أو البقشيش، أو بالحصة والنصيب والقسمة. وقد يسمي البعض الغش والنصب والاحتيال وهو نوع من أنواع الفساد بالشطارة أو الفهلوة. ويسمي آخرون المحسوبية بالشفاعة أو الفزعة أو النخوة أو الحمية وصلة القربى. وتنتشر أنواع متعددة من الفساد، يظهر البعض منها في مجتمعات ويختفي في أخرى، حيث تظهر أصناف مختلفة، وقلما تجد مجتمعاً خالياً من نوع من أنواع الفساد. وينقسم الفساد إلى عدة أنواع رئيسية فهناك فساد أخلاقي وفساد سياسي وفساد مالي وفساد إداري. ويجري التركيز هذه الأيام على الفساد المالي والإداري، ويتم التغاضي عن الفساد السياسي والأخلاقي واللذين قد يكونان مصدري الفساد المالي والإداري. ويأتي الفساد مرادفاً للتخريب والتعطيل والبطلان وعدم الصلاحية، كما يأتي معاكساً للصلاح والنزاهة والعدل والالتزام بالأخلاق الحميدة. والفساد Corruption في أي قطاع حكومي أو خاص، كما تعرفه معظم المؤسسات الدولية هو استغلال المركز أو الوظيفة الحكومية أو الخاصة لتحصيل منافع خاصة أو تجنب أضرار أو عقوبات أو التزامات على صاحب المركز أو لمن يميل إليهم بسبب القربى أو الجنس أو العرق أو القبيلة أو أي رابطة أخرى. ولا تقتصر المنافع والأضرار على المنافع أو الأضرار النقدية أو الاقتصادية، وإنما تشمل كل المنافع والأضرار. والفساد قديم قدم البشرية، ولكن أشكاله وممارساته تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والشعوب. وتقوى الدول وترتفع فاعلية الحكومات والقوانين ويسود فيها العدل ورضا الناس مع انخفاض مستويات الفساد. وفي المقابل يقود انتشار الفساد في أي مجتمع ونخره في مكوناته إلى تردي مستويات المعيشة، وتراجع معدلات النمو، وسوء توزيع الدخل والثروة، وازدياد الفقر، وتفشي الظلم، وانتشار الجريمة، وعدم المساواة، وانخفاض الإنتاجية، ورفع البطالة، ورداءة السلع والخدمات والشح في بعضها، وازدياد الممارسات الاحتكارية، والإضرار بالبيئة، وارتفاع القهر الاجتماعي، وإجحاف الأنظمة، وضعف فاعلية المؤسسات العامة والحكومات. ويعتبر الفساد من الظواهر الخطيرة التي تواجه بلدان العالم وتزداد مخاطره أكثر على الدول النامية. وقد تصل مستويات الفساد في بعض الدول النامية إلى النخر في مؤسسات القضاء وحفظ الأمن وتقود إلى شلل وإرباك قوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتدمير البنية المالية والإدارية للمؤسسات العامة، وبالتالي إلى عجز الحكومات في تنفيذ مهامها الأساسية. وقد لقيت قضية الفساد والتصدي له الاهتمام على جميع المستويات المحلية والدولية، وازدادت الحملة على الفساد في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب توسع الشبكات الإجرامية، وتطور تقنياتها وأساليبها، وسهولة المواصلات والاتصالات. وتعتبر قضايا الفساد من أكثر القضايا إثارةً للرأي العام المحلي والعالمي وتتسبب في تساقط الحكومات وسقوط الأنظمة وتهاوي الدول. وتحاول الأنظمة المحلية والاتفاقيات الدولية التصدي للفساد بكل أشكاله وأنواعه داخل المجتمعات وفيما بين الدول. ويقوم العديد من المؤسسات الدولية بوضع المعايير وتقييم مستويات الفساد ونشر التقارير المتعلقة به، ومن أهم تلك المؤسسات منظمة الشفافية العالمية والبنك الدولي. وتنشط المؤسسات الدولية في الحث على التصدي للفساد ومن تلك المؤسسات منظمة الأممالمتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الشفافية العالمية، كما تنشط تلك المنظمات في وضع الدراسات والتقييمات عن الفساد في دول العالم. وكان بعض المبررين للفساد في السابق ينظر إلى الفساد بشيء من الرومانسية، ولكن نشوب الأزمات العالمية (وآخرها الأزمة المالية العالمية) تسبب في زيادة التركيز على الجانب السلبي للفساد، خصوصاً في القطاع الخاص. واتضح بشكل أقوى أن الفساد يتسبب في تباطؤ الاقتصاد، كما تزداد مستويات الفساد مع الوقت وتزداد أيضاً مع تساهل الأجهزة العامة في تفعيل أنظمة التصدي له، وكذلك مع كثرة وتعقيد الأنظمة والتعليمات والسرية التي تحاط بها أعمال الإدارات الحكومية والخاصة ومشاريعها ومشترياتها ووظائفها. وتزداد الأنظمة والتعقيدات المتصلة بها مع ازدياد المنافع من الفساد. ويتحول الأفراد إلى تحصيل الريوع بدلاً من تعزيز الإنتاجية. وتشير تجارب الدول إلى أن الفساد مرض معد، وينتشر بسرعة، خصوصاً في حالة غياب فعالية الأنظمة والآليات التي تكبح جماحه وتحد منه. وتتطلب الفعالية الاقتصادية الثقة بالحكومة ومؤسساتها والعدالة وحرية المنافسة، والفساد يؤثر سلباً في كل هذه العوامل ويضعف الثقة بالحكومة ويخفض مستويات العدالة. وإذا كثر الفساد ينتشر الظلم والاستبداد كما قد ينتج عنه انحدار مستويات المنافسة، وقد تتولد الاحتكارات التي تلغي المنافسة في مجالات متعددة من الاقتصاد. ويتطلب التصدي للفساد التزاما صريحا وواضحا وقويا وتصميما على قمعه بغض النظر عن مرتكبيه ومكانتهم، وعلى كل أصعدة ومستويات الدولة. فالفساد شر لا بد التخلص منه إذا أردنا أن تستقيم الأمور ويسود العدل وتستمر التنمية. ويجب الإقرار بأنه لا توجد بلاد معصومة من الفساد أو خالية منه، ولكن هناك درجات مختلفة من الفساد وأنواع مختلفة تنتشر في بلدان العالم. وتنتشر بعض أنواع الفساد في بعض البلدان ولفترات طويلة، ما يجعله جزءًا من الثقافة الوطنية، ويدخل في تركيبتها، وبهذا يصعب القضاء عليه ومكافحته. وتعتبر الحماية من الفساد أفضل طريقة للتصدي ومحاربة الفساد في أي دولة، ويمكن أن يتم هذا من خلال إلغاء التداخل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومراجعة الأنظمة والقوانين والصلاحيات التي قد تكون مصدراً للفساد، والتركيز على عنصر النزاهة في تعيين الموظفين والمسؤولين، ومراقبة أجهزة الدولة والوصول إلى أعلى درجات الشفافية حول أنشطتها، وتحديد مدى التزامها بالتصدي للفساد، وتوعية الجمهور عن الفساد وعدم التهاون في قضايا الفساد والتصدي الحازم لجرائمه.