سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ارتفاع قضايا الفساد المضبوطة في 4 سنوات إلى ضعفين .. وهيئة المكافحة مؤجلة بعد حلول المملكة في المرتبة ال 50 عالمياً في تقرير الشفافية .. «عكاظ» تفتح ملف الفساد المالي والإداري:
مضت 1405 أيام منذ صدور قرار مجلس الوزراء رقم 43 في تاريخ 22/2/1428ه، بشأن الموافقة على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وقد حصرت الاستراتيجية الآليات في إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، لتتولى هذه الهيئة متابعة تنفيذ الاستراتيجية ووضع آليات التطبيق، وتنسيق جهود المواجهة، وجمع المعلومات والتقارير وتحليلها. وإلى اليوم لم تفعل الهيئة، رغم مطالبة ديوان مجلس الوزراء العام الماضي بالإسراع في إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إذ يحال لها التقرير الصادر عن ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق حول الفساد الإداري والمالي في القطاعات الحكومية والخاصة، عندما تباشر عملها بحكم الاختصاص. وقد ذكر مصدر مطلع ل«عكاظ» أن الهيئة قد أنشئت بالفعل على أرض الواقع، لكن لم يعمل لها تنظيم حتى الآن، متوقعا أن يصدر تنظيمها ومباشرة عملها خلال الفترة القريبة المقبلة، مفيدا أن مهمتها رقابية واستشارية بحيث تكون رقيبة على أعمال السلطة التنفيذية. كلام المصدر أكد عليه رئيس ديوان المراقبة العامة أسامة بن جعفر فقيه، فقد توقع في تصريح سابق قبل عامين تشكيل هيئة مكافحة الفساد وممارسة أعمالها في القريب العاجل. مؤكدا أن تشكيل الهيئة وعملها سيدعم أجهزة الرقابة والمتابعة والتحقيق والقضاء المعنية بتطبيق الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد. وقال «إن الهيئة ستضم أجهزة الضبط والرقابة والتحقيق والادعاء والفصل والأجهزة القضائية وأجهزة التنفيذ التي تنفذ الأحكام الصادرة، وهي سلسلة ومنظومة مترابطة وقد تمت الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال». وبالعودة إلى كلام المصدر فقد لفت إلى أن مجلس الخبراء ما زال يدرس مشروع نظام «سوء استخدام السلطة ونظام حماية المال العام» استعدادا لرفعه لمجلس الوزراء وإقراره، مبينا أنه سيكون هناك تقاطع وتنسيق بين مشروع النظام وعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في حال تنظيمها. تأتي الحاجة الملحة لتفعيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ظل ارتفاع قضايا الفساد المالي والإداري التي تضبط من قبل الجهات المختصة مثل هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية، وما يكشفه ديوان الرقابة العامة من تجاوزات وتعثرات في المشاريع، وما كارثة جدة عنا ببعيد. وتظهر إحصائيات المباحث الإدارية في المديرية العامة للمباحث ارتفاعا مطردا في معدل ضبط جرائم الفساد في الأعوام الخمسة الماضية على اختلاف أشكالها، فقد بلغ مجموع الجرائم المتصلة بالفساد في عام 1426ه 2005م 637 جريمة، ليرتفع عدد القضايا المضبوطة لدى المباحث الإدارية حتى بلغت في عام 1430ه 2009 1743 قضية، بارتفاع يصل إلى الضعفين. وقد شكل إنشاء وحدة التحريات المالية في عام 1427ه 2006م إضافة نوعية لجهات البحث، والتحري، وجمع الأدلة، وضبط مرتكبي جرائم الفساد نظرا لما تتمتع به من إمكانيات فنية متقدمة وكوادر بشرية مؤهلة تأهيلا عاليا، مما ساهم في ارتفاع الرقم. إحصائيات الرقابة وتدل إحصائيات هيئة الرقابة والتحقيق على ارتفاع القضايا التي باشرتها الهيئة ففي عام 1426ه كانت 9012 لترتفع في عام 1430ه إلى 10080 قضية تشمل التزوير والرشوة والتزييف والاختلاس وغيرها. ولعل عدم جزم ديوان الرقابة العامة عن تعثر 4000 مشروع بقيمة ستة مليارات ريال تدل دلالة واضحة على وجود ارتفاع كبير في قضايا الفساد بكل أنواعه، خصوصا أن نائب رئيس ديوان الرقابة قد أوضح ل«عكاظ» أن الرقم قد زاد أو نقص. ورغم تحسن مركز المملكة في التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية حول الفساد في العالم في أكتوبر عام 2010 م الذي وضع المملكة في المرتبة ال50 عالميا من أصل 180 دولة، والسادسة عربيا، إلا أن الرقم ما زال متأخرا قياسا بمكانة وحجم المملكة على كافة المستويات. وقد سجلت المملكة تحسنا محلوظا في مكافحة الفساد خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فبعد أن كانت تحتل في عام 2008م أسوأ دولة في الخليج العربي في هذا المضمار حيث احتلت المرتبة ال80 وهي المرتبة التي شاركتها فيها دول مثل بوركينا فاسو وتايلند وألبانيا والبرازيل والمغرب، قفزت في عام 2009م إلى المركز 63، لتقفز بعدها إلى المرتبة ال50 في عام 2010 م أي الأفضل تقدما بين مجلس التعاون الخليجي بعد أن كانت الأسوأ. هذا النجاح في التقدم لا يعني أن هناك انحسارا في قضايا الفساد، فارتفاع القضايا التي تضبطها الجهات الرقابية يزداد، ولعل ما يعضد هذا الكلام حديث مصدر مطلع في هيئة الرقابة والتحقيق عن أن الهيئة تحيل شهريا ما يقارب من 30 موظفا إلى ديوان المظالم بتهمة الفساد الإداري، بعد ثبوت تقاضيهم للرشوة واستغلال نفوذهم الوظيفي لمصالحهم الشخصية أو لأحد أصدقائهم مثل ترسية المناقصات، مشيرا إلى وجود أكثر من طرف في بعض قضايا الرشوة، إذ يكون هناك وسيط يلعب دورا فى تسهيل حصول الموظف على رشوة.وأشار إلى أن بعض موظفي الدولة يسعون إلى تأخير المعاملات لديهم لتقاضى الرشوة بطرق مختلفة، وبحسبة بسيطة فإنه يتم إحالة 360 موظفا فاسدا سنويا بتهمة الفساد، أي موظف فساد في كل يوم، وهو رقم كبير بخلاف القضايا التي لا تضبط أو تضبط ولا تحال إلى القضاء، وهو ما أوضحه مستشار وزير العدل السابق المستشار في الديوان الملكي عبد المحسن العبيكان الذي بين أن من أسباب انتشار الفساد عدم عرض كل موظف مرتش أو فاسد على القضاء، لأسباب من ضمنها الواسطة وخلافه، مضيفا «لو عرضت كل قضية على القضاء لما استشرى الفساد، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في محاربته». كشف القضايا ولم تقف القضية عند عدم عرض بعض المتورطين في قضايا الفساد على القضاء، بل تجاوزته من عدم القبض على البعض أو عدم كشفهم، وهو ما أكده القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض الدكتور عيسى الغيث بقوله «المشكلة فيمن لم يتم اكتشافهم والقبض عليهم والتحقيق معهم والادعاء ضدهم ومحاكمتهم وتنفيذ العقوبة بحقهم، لأن من حوكم بقضية فساد سواء برشوة أو اختلاس ونحو ذلك فيحاكم بعدالة لدى المحكمة المختصة وسينال الجزاء الرادع». وتساءل الغيث بقوله «لكن الأهم هو؛ كم نسبة من تم القبض عليهم ومحاكمتهم من مجموع الفاسدين في الوطن الذين لم يتم كشفهم ومحاكمتهم؟». ولعل ما كشفته كارثة جدة من قضايا كشفت المستور عن كثير من القضايا الفساد التي تورط فيها بعض المسؤولين ورجال الأعمال تؤيد كلام الغيث. وتزداد الحاجة إلى الإسراع في تفعيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلحاحا بعد صدور أكبر ميزانية في تاريخ المملكة بإنفاق يصل إلى 580 مليارا يوم الاثنين الماضي، إضافة إلى ما أعلنه خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر القمة العشرينية الاقتصادية العالمية المنعقدة في واشنطن يوم 15/11/2008م عن رصد المملكة العربية السعودية مبلغ 400 مليار ريال لمجابهة الأزمة المالية العالمية، ولدفع عجلة التنمية والنهضة في المملكة وضمان عدم توقف مشاريع التنمية فيها، ولدعم وحماية المصارف المحلية وذلك ضمن الخطة الخمسية. وصدور الهيئة يعين على حماية هذا المال سواء الذي رصد في القمة العشرينية أو في الميزانية، وعلى ذهابه في مصارفه الحقيقية في التنمية والبناء لمصلحة الوطن والمواطن وهو أحد هموم خادم الحرمين الذي وضع على عاتقه مكافحة الفساد بإقراره للاستراتيجية الوطنية، ومساءلته للوزراء في العام الماضي عن تأخر بعض المشاريع عن التنفيذ، إضافة لحرصه على ذهاب الأموال في مصارفها الحقيقية. أهمية الهيئة وتبرز أهمية الهيئة في حماية المال العام والرقابة على المشاريع إضافة لإعادة النظر في آليات عمل هيئة الرقابة والتحقيق والادعاء العام، خصوصا في ظل وجود تداخل عمل بين الجهتين، وهو ما بينه المستشار والمحلل الاقتصادي سطام المقيرين عندما قال «يخلط الكثير من الناس بين اختصاصات ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق، وحتى بعض الموظفين في هذين الجهازين تختلط عليهم هذه الاختصاصات، وهذا مرده في رأيي يعود إلى غموض العمل الرقابي بشكل عام بالإضافة إلى أمور تنظيمية وإدارية، وازدواج العمل الرقابي بين الديوان والهيئة، وخضوع الجهتين لرقابة بعضهما بعضا». مضيفا «أن هناك متغيرات وتطورات كبيرة شهدتها المملكة أثرت على الإدارة العامة بشكل عام وأدت إلى ازدواج العمل وتداخل المهمات بين الهيئة والديوان إلى درجة تطابق الملاحظات والتقارير الصادرة عن الجهتين» فصدور الهيئة سيساهم في التعديل على مسار عمل الهيئتين، رغم وجود قرار صادر بأن بعض صلاحيات هيئة الرقابة والتحقيق ستنقل لهيئة التحقيق والادعاء العام بحيث تصبح مهمات هيئة الرقابة فقط في مجال الفساد الإداري، أما قضايا الفساد المالي مثل الرشوة والاختلاس والتزوير واستغلال السلطة فستحال إلى الادعاء العام. لكن المستشار الاقتصادي فادي العجاجي يرى أن وجود الهيئة على أرض الواقع بات ضرورة ملحة، معللا ذلك بأن الانطلاقة الحقيقية في القضاء على الفساد تبدأ من وضع آلية تصحيح المسار، فمعظم الأنظمة واللوائح والأجهزة الحكومية ارتكزت عند تأسيسها على قاعدتين رئيستين هما: تحقيق التنمية، وخدمة المواطن، وفي مرحلة التطبيق يحدث انحراف عن هذا المسار، ومع الوقت تتسع الفجوة بين الخطط الاستراتيجية التي وضعتها الدولة وبين ما يحدث على أرض الواقع، ويتطلب تصحيح المسار المزيد من الشفافية من خلال الهيئة الوطنية، إضافة لأهمية وسائل الإعلام التي يجب إعطاؤها المزيد من الثقة والحرية الكافية للقضاء على الفساد كظاهرة والمساهمة في تصحيح المسار. ديوان الرقابة ولا يتوقف دور الهيئة الوطنية على تعديل الأنظمة الرقابية لهيئة الرقابة والتحقيق، بل يتجاوزه لديوان المراقبة العامة الذي يقوم برقابة المشاريع العامة للدولة، وهو ما أكد عليه رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني الذي شدد في حديثه ل«عكاظ» على أن دور الهيئة مهم في إعادة النظر في عمل ديوان الرقابة العامة، وتوسيع صلاحياته، وزيادة عدد العاملين فيه، وتشديد الرقابة على المشاريع، مشيرا إلى أن الجمعية رصدت تعثر العديد من المشاريع، مؤكدا على أن حقوق الإنسان تطالب بشدة بضرورة توسيع صلاحياتها والإسراع في إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، خصوصا في ظل الميزانية الجديدة لضمان سيرها في مشاريع تنموية تعود على الوطن والمواطن بالخير، مشددا على أن دور حقوق الإنسان مراقبة ورصد عمليات الفساد. ونفى وجود تشكيل لجنة خاصة في الجمعية لمراقبة حالات الفساد، مفيدا أن التقرير الثالث لحقوق الإنسان سيصدر قريبا وسيتضمن جزئية كبيرة عن الفساد المالي والإداري، معتبرا الفساد بات ظاهرة عالمية والمملكة جزء من هذا العالم. تقرير الشفافية حديث القحطاني صادق عليه تقرير الشفافية الأخير الذي وصف عام 2010 بأنه الأكثر فسادا، وأعلنت منظمة الشفافية الدولية أن 75 في المائة من دول العالم تقريبا شديدة الفساد، وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من قيام الحكومات المختلفة حول العالم بتخصيص مبالغ مالية ضخمة لمعالجة مشاكل العالم الأكثر إلحاحا، والتي تتفاوت ما بين عدم استقرار الأسواق المالية إلى التغيرات المناخية والفقر، إلا أن مشكلة الفساد تبقى العقبة التي تقف حائلا أمام إحراز كثير من التقدم اللازم. وترى المنظمة، التي يعتد بتقاريرها ودقة المعطيات التي تعتمد عليها، أن «الفساد في المشاريع الحكومية الكبيرة يقف عقبة كأداء في طريق التنمية المستدامة ويسبب خسائر فادحة في المال العام اللازم للتعليم وللعناية الصحية ولتخفيف الفقر في البلدان النامية»، ومن خلال الجدول الذي أعدته المنظمة يتضح أن النزاهة في التعامل مع المال العام في الدول العربية ما تزال في حدود دنيا، مع استشراء الفساد في إبرام الصفقات، مما يؤدي إلى «تسرب مداخيل إلى جيوب المديرين والوسطاء والمسؤولين المحليين» على حد تعبير التقرير. وتقول هوغيت لابيل رئيسة منظمة الشفافية الدولية «إن هذه النتائج تشير إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود الرامية إلى تعزيز الحاكمية في جميع أنحاء العالم. ومع وجود سبل المعيشة في كثير من بلدان العالم على المحك، فلا بد أن تعمل حكومات تلك الدول على ترجمة أقوالها حول القضايا المتعلقة بالتزامها بمكافحة الفساد والشفافية والمساءلة إلى أفعال». «عكاظ» تساوقا مع الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد فتحت هذا الملف الحساس على جزءين، وتساءلت في الجزء الأول: هل ما زال الفساد يمثل ظاهرة، وعن أسباب تأخر تفعيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وما هو أثر التأخر على المشاريع الاقتصادية والتنموية، وهل وضع المملكة في المرتبة 50 دوليا على مستوى مكافحة الفساد منصف أم ظالم؟، وتساءلت عن القوانين وآليات الرقابة الموجودة وحاجتها للمراجعة من الجانب القانوني؟، وكذلك تساءلت: هل القوانين بحق المفسدين رادعة وكافية أم بحاجة للمراجعة؟، واستقصت عن العقاب الشرعي على المتورطين في قضايا الفساد المالي والإداري.. فإلى تفاصيل الجزء الأول: بداية وصف رئيس لجنة الشؤون المالية في مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز العبدالقادر الفساد بأنه سرطان ينخر في جسم الاقتصاد والإدارة ومصالح البلاد والعباد، ومتى ما ظهر في المجتمع فإنه دليل على ضعف الإيمان في المقام الأول ثم التراخي في تطبيق الأنظمة وفرضها على الجميع، وبالتالي يجد ضعاف النفوس من الموظفين في القطاعين العام والخاص أساليب التحايل على الأنظمة وتجاوز التعليمات، وقد يصل الأمر إلى ظلم الناس وهضم حقوق الآخرين والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، معتبرا الفساد ظاهرة محسوسة. محاربة الظاهرة ورأى العبدالقادر أن الخطوة التالية هي تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية النزاهة، وتكليف المسؤول الأول لها بممارسة نشاطه وواجباته التنظيمية بجانب بقية الجهات الحكومية الأخرى، مثل: ديوان المظالم، ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، إضافة لدور الصحافة الفاعل في محاربة ظاهرة الفساد. واتفق عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى الدكتور صدقه فاضل مع رأي العبدالقادر بأن الفساد ظاهرة، معتبرا أن المرتبة ال50 عالميا تعتبر متدنية ولا تليق في المملكة، وتؤثر سلبا على المشاريع التنموية وزيادة فرص الاستثمار داخل المملكة. وبين فاضل أن سبب إنشاء الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد هو توقيع المملكة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد قبل ست أو سبع سنوات، والتي تتطلب وجود هيئة وطنية لمكافحة الفساد بحيث تكون مرجعية في مكافحة الفساد، وبالفعل تم إقرار الاستراتجية والهيئة التي لم تفعل على أرض الواقع، مرجحا أن تكون البيروقراطية من أخر وجودها رغم اهتمام الملك بشكل مباشر بمكافحة الفساد منذ أن استلم مقاليد الحكم، معتبرا أن الفساد أضحى ثقافة مجتمعية بحاجة لمحاربة وأن «الشورى» يقوم بدوره. ووافق عضو لجنة حقوق الإنسان والعرائض في مجلس الشورى الدكتور عبدالله بخاري، في أن المجلس مازال يؤكد في كل مناقشة عن الفساد في الدورة الحالية على ضرورة الإسراع في تفعيل الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد لتفشي قضايا الفساد المالي والإداري، مبينا أن المجلس سبق وطلب منهم وضع وثيقة مهمة عن مكافحة الفساد وترسيخ النزاهة وتم وضعها في 60 صفحة عن طريق لجنة خاصة، ومن ثم رفعت للمقام السامي وتم تنقيحها وإصدارها في شكل الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد والتي لا تفعل إلا عن طريق الهيئة، معتبرا وجود الهيئة مطلبا ملحا وضروريا وأساسيا في هذا الفترة، خصوصا أن أعضاء المجلس هم أكثر معرفة بالاستراتيجية وأهمية تفعيل الهيئة كونهم وضعوا بنودها الأولى. مشاريع تنموية ولم يذهب عضو لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة المهندس عبدالمحسن الزكري بعيدا عن رأي بخاري بأهمية الإسراع بتشكيلها وتفعيلها، مشيرا إلى أن المملكة تعيش في نهضة عمرانية واقتصادية واجتماعية فهي تعد من أسرع دول العالم نموا خلال 35 سنة، مشددا على أن المملكة من أكثر دول العالم استقرارا في الاقتصاد بتوفير المبالغ لدفعها في مشاريع تنموية، خصوصا أن البنية التحتية للمملكة الحالية لا تشكل إلا 30 في المائة وهناك 70 في المائة يجب أن تبنى، مضيفا «وجه خادم الحرمين الشريفين في القمة العشرينية لصرف مبلغ 400 مليار دولار في مشاريع تنموية داخل المملكة، وعدم وجود الهيئة قد يؤثر على مسار ذهاب هذه الأموال لهذه المشاريع وقد تسبب خللا في الخطط الموضوعة»، مؤكدا أهمية وضع رؤية وضبط ومتابعة ورقابة على هذه الميزانيات وبالتالي تكون المملكة أرست نظاما شفافا في خدمة التوجه الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين في عصره الذي يتميز بالشفافية، ولفت إلى أن إقرار الهيئة ضروري للمراحل المقبلة؛ لأنه إذا لم تضبط الأمور حاليا فإنه لا يمكن ضبطها مستقبلا، وشدد الزكري على أن شفافية المملكة ستنعكس على اقتصاد العالم العربي والإسلامي بل على اقتصاد العالم أجمع؛ كون المملكة عنصرا مؤثرا وفعالا في الاقتصاد العالمي، مفيدا أن وجود نظام شفافية عالي المستوى سيضبط الأمور وسيجشع الشركات الكبرى على الاستثمار والمشاركة في المشاريع التنموية، مؤكدا على كلام الأعضاء السابقين بأن المجلس يطرح هذه القضية عند الحديث عن قضايا الفساد، معتبرا أن القوانين والآليات المعمول بها في مكافحة الفساد جيدة لكنها غير كافية مع الانفتاح الموجود وتكاثر المشاريع. قطع الطريق وشارك عضو لجنة حقوق الإنسان والعرائض في المجلس الدكتور زهير الحارثي رأي الزكري في أن القوانين المعمول بها غير كافية، وأن إنشاء الهيئة كفيل بتعديل هذه القوانين وتطويرها، مشددا على أن صدور الهيئة يقطع الطريق على كل من يستغل وظيفته من أجل الثراء، ولفت الحارثي أن محاربة الفساد ليس دور الحكومة بل دور المجتمع كمنظومة ومؤسسات المجتمع المدني، معتبرا حل القضية ليس بصدور الأنظمة وتفعليها بل بتطبيقها على الكبير والصغير دون محاباة لأحد، وعد تصنيف المملكة في المرتبة ال50 عالميا مشكوكا فيه؛ لأن المعايير المطبقة غير معروفة، وهنا تبين منظمة الشفافية أن تقريرها يتم اعتمده منذ عام 1995م مؤشرا للفساد بناء على تصنيف 180 دولة في العالم وفقا لتحليل مجموعة دولية من رجال الأعمال والخبراء والجامعيين ووفق مسحوات ميدانية علمية. من جانبه، خالف عضو لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة الدكتور عبدالرحمن المشيقيح آراء جميع أعضاء الشورى والاقتصاديين بأن الفساد لا يمثل ظاهرة في المملكة، وأن هناك حالات تضخم إعلاميا، مشددا على أن الفساد موجود في كل وقت وزمان ومكان، موافقا رأي الحارثي بأن تقرير الشفافية الأخير مشكوك فيه ومشابه بتقرير تصنيف الجامعات، لكن المشيقيح طالب بضرورة الإسراع في إنشاء هيئة مكافحة الفساد وتفعيل عمل الأجهزة الرقابية لانعكاسها على المشاريع التنموية والوضع الاقتصادي في المملكة. مراجعة القوانين وصادق رئيس دار الدراسات الاقتصادية عضو مجلس الشورى سابقا الدكتور عبد العزيز إسماعيل داغستاني على كلام المشيقيح، بأن عدم صدور الهيئة ومراجعة القوانين الموجودة قد تفاقم الفساد وستكون له تبعات اقتصادية سيئة؛ لأنه يخلق ضبابية في التعامل بين الناس وبالتالي لا يمكن أن يركن الناس إلى قوة النظام بل إلى قوة المال والواسطة والرشوة، لكنه خالف رأي المشيقيح ووافق رأي أعضاء الشورى بأن الفساد ظاهرة قد أخذت في ازدياد أخيرا، وبين داغستاني أن الفساد ليس بالضرورة فساد مالي بل هناك فساد إداري وكلاهما يعني خللا اجتماعيا واضحا يؤدي إلى الإخلال بالعدالة في المجتمع، ويسلب حقوق كثير من الناس ويثري البعض على حساب الآخرين. ولفت الداغستاني على أن الفساد لم يعد قاصرا على الإدارات الحكومية التقليدية التي شاع فيها الفساد، بل طال قطاعات وأجهزة حكومية كان لا يمكن التفكير في أن يطالها مثل: أجهزة القضاء والمحاكم، مستشهدا بما ينشر في وسائل الإعلام من قضايا يستوجب معها دق ناقوس الخطر والتصدي لها بكل قوة، واعتبر حلول المملكة في المرتبة ال50 منصفا وليس فيه تجن أو ظلم، مخالفا رأيي الحارثي والمشيقيح، داعيا إلى تفعيل هيئة مكافحة الفساد، وطالب أيضا بمراجة القوانين الموجودة المعمول بها. تعديلات تشريعية وهي ما دعا إليه المحامي الدكتور ماجد قاروب بقوله «يجب إحداث تعديلات تشريعية مهمة لكل القوانين المتعلقة بالفساد ومكافحته بكل الأشكال والأنواع»، ولفت قاروب إلى أن الفساد ليس بشريا فقط بل أن هناك أشكالا وأنواعا أخرى من الفساد، منها: الفساد التشريعي في نصوص القوانين وكذلك اللوائح التنفيذية للقوانين والتي تؤدي إلى فساد في التنظيمات واللوائح والتعاميم الداخلية الخاصة بتنفيذ القوانين، مشددا على أن هذه مجتمعة تؤدي بالضرورة إلى فساد الأداء الحكومي حتى وإن لم يكن الموظف فاسدا. وأشار إلى أن «مكافحة الفساد تحتاج إلى مراجعة شاملة وجادة في نصوص القوانين من جهة وضوحها ولغتها وتحقيقها للغايات والمصالح التي وجدت لأجلها، والتأكد كذلك من صحة نصوص اللوائح التنفيذية وأنها غير معطلة لنصوص قانونية أخرى وليست مستحدثة لمبادئ جديدة»، مضيفا «يأتي بعد ذلك دور وزارة الخدمة المدنية في تعيين الموظف الحكومي المؤهل وفقا لاحتياجات ومتطلبات كل وظيفة؛ لتقوم جهة عمله من وزارة أو مؤسسة أو هيئة حكومية بالقيام بواجباتها من تطوير وتأهيل دائم للموظف الحكومي على الواقع والمستجدات في أداء العمل الحكومي». ورأى قاروب من وجهة نظر قانونية أن القوانين ذات العلاقة قديمة جدا ومتهالكة، وتخاطب واقعا غير الذي نعيشه اليوم وعقوباتها ضعيفة تكاد تشجع على ارتكاب المخالفات ويجب أن تغلظ وتشدد بتعديلات للقوانين بأسرع وقت ممكن؛ لتكون رادعة في نصوصها وتدخل الهيبة والخشية لكل من تسول له نفسه في الفساد والتربح غير المشروع من المال العام، داعيا إلى ضرورة إحداث نقلة نوعية وجذرية في الدورة التشريعية الحالية لتطوير منظومة القوانين السعودية، مشددا على أنه ليس من المهم فقط صدور هيئة وطنية لمكافحة الفساد، بل الأهم هو تعديل الأنظمة والقوانين. خلل الأنظمة لكن القاضي في المحكمة الجزائية في الرياض الدكتور عيسى الغيث رفض القول بأن هناك خللا أو عيبا في الأنظمة أو القوانين، مشددا على أن الخلل يكمن في عدم اكتشاف بعض الجناة والقبض عليهم والتحقيق معهم والادعاء ضدهم ومحاكمتهم وتنفيذ العقوبة بحقهم. مبينا أن دور المحاكم الجزائية هو الأساس في قضايا الفساد معضدا كلامه برغبة وزارة العدل في نقل الدوائر الجزائية بديوان المظالم بعد صدور نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية الجديدين، مبينا أنه في كلتا الجهتين يتم محاكمة المتهمين حسب الاختصاص فقضايا الرشوة مثلا هي من اختصاص الديوان حاليا كما أن قضايا الاختلاس من القطاع العام من اختصاص الديوان، أما قضايا الاختلاس من القطاع الخاص فمن اختصاص الوزارة، معتبرا أن القوانين القضائية الموجودة حاليا بهذا الشأن كافية ورادعة. ونفى الغيث علمه بأسباب تأخر صدور هيئة مكافحة الفساد وقال: «لا أدري عن هذه التفاصيل، لكن الإرادة السياسية أهم من أي قطاع ينشأ، فهناك اليوم عدة قطاعات لمكافحة الفساد بجميع مراحله، منها وزارة المالية عبر ممثليها الماليين وإجراءاتها الرقابية وديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية وغيرها، ولكن العمل البيروقراطي لا يحقق الكثير من الآمال، وفي اعتقادي أنه لو منحت المباحث الإدارية المزيد من الدعم والصلاحيات لرأينا الكثير من النجاحات». تفعيل النظام واختلف المحامي الدكتور عمر الخولي مع طرح الغيث بأن القوانين المطبقة ليست كافية للردع قائلا: «نحن في المملكة لا نعاني من قلة الأنظمة الرادعة والمقاومة للفساد، كما لا نعاني من الندرة في الأجهزة التي تقاوم أوجه الفساد، ولكننا نعاني من عدم تفعيل أدوات المقاومة ونصوص القانون ونستخدمها كرمح قاتل ودرع واق لحالات الفساد، بمعنى أن مكمن المشكلة هو العنصر البشري الموكل إليه مهام مقاومة أوجه الفساد، فهذا العنصر إما أصابه الفساد بذاته أو التبلد نتيجة ما يراه على أرض الواقع من تجاوزات لا تتفق مع توجهات من هو راغب في مكافحة الفساد بصورة فعلية، إذ يرى التجاوز عن عدد من أعمال الفساد وصدور الأوامر إليه بحفظ عدد آخر، مشددا على أن عملية مكافحة أو مقاومة الفساد لا يتم تفعيلها إلا بمواجهة الضعاف فحسب. مؤكدا على أن ذلك يتولد عنه الإحباط وعدم الرغبة في العمل بإخلاص، مشيرا إلى أن هذا الوضع هو الذي أهل المملكة لاحتلال المركز الخمسين عالميا في مكافحة الفساد. ولفت الخولي إلى أن كثيرا من العقوبات التي تترتب على ارتكاب بعض من مظاهر الفساد والتي تصدر عن طريق الدوائر الجزائية أو التأديبية في ديوان المظالم أو المحاكم الجزائية أو العامة، هي أدنى من أن تخلق الردع الوقائي في أنفس الناس، داعيا إلى إعادة صياغة العقوبات المنصوص عليها في عدد من الأنظمة. ديوان المظالم واعتبر القاضي في المحكمة الإدارية في ديوان المظالم في الدمام أحمد آل عبدالقادر كلام الخولي عاريا من الصحة، مشددا على أن أحكام ديوان المظالم صارمة ورادعة، وأن ديوان المظالم هو المكان الفصل لحسم النزاعات، مفيدا أن دورهم قضائي أصيل من خلال استقبالهم للدعاوى من قبل هيئة الرقابة والتحقيق والتي تستلم جميع القضايا المحالة إليها من ديوان الرقابة العامة ومن المباحث الإدراية والتي ترفعها بدورها إلى ديوان المظالم الذي يتأكد من القرائن والإثباتات وتمحيصها فإذا ثبت عدم الجرم فإنه يبرأ الشخص، مستدلا على براءة بعض المتهمين في كثير من قضايا الفساد لعدم كفاية الأدلة أو عدم ثباتها، مفيدا أن الأصل في الإنسان البراءة. مبينا أن ديوان الفصل من خلال دوائره التأديبية والإدارية يفصل في قضايا الرشوة والاختلاس والتزوير وسوء استعمال السلطة، لافتا إلى أنه سيتم نقل هذه الاختصاصات إلى الدوائر الجزائية في المحاكم الجزائية. وأوضح آل عبدالقادر أن العقوبات بحق الفاسدين هي عقوبات أصلية وتابعة وتكميلية فيتبع بعقوبة السجن والغرامة عقوبة إدارية وتأديبية فقد يفصل المحكوم من عمله بقوة النظام دون حاجة لقرار النظام وهي عقوبة صارمة وكافية إذا تم تأييدها من محكمة الاستئناف، مفيدا أنه يحق للمتهم التظلم إلا إذا اقتنع بالحكم الذي صدر بحقه، لافتا إلى أن بعض القضايا الجزائية تتحول إلى تأديبية مثل سوء استعمال السلطة.. وبين أن العقوبات الصادرة بحق المفسدين كالمرتشين مثلا رادعة وتبدأ بالغرامة التي تصل إلى مليون ريال مع السجن واسترداد الأموال ووضعها في خزينة الدولة، وأوضح آل عبدالقادر أن عقوبة التشهير ليست من اختصاص المحكمة وتتبع لولي الأمر مبينا أن وزارة الداخلية قد تشهر ببعض المزورين، وفي بعض الأحيان فإن وسائل الإعلام تشهر ببعض المتهمين من خلال نشر قضاياهم. وشدد آل عبدالقادر أن صدور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد تساهم في إعادة النظر في بعض آليات مكافحة الفساد والقضاء عليه من جميع النواحي للحفاظ على أموال الدولة وضمن سيرها في الطريق الصحيح.