تذكرت وأنا أقرا التعديل الجديد الذي أقرته لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي على قانون منح اللجوء للأفغان الذين تعاونوا مع الجيش الأمريكي أثناء غزوه لأفغانستان، مشهداً استهل به مخرج فيلم (حرب الأفيون) الأفغاني فيلمه، وهو مشهد فتى أفغاني يعثر على جثة جندي أمريكي متحللة في الصحراء، فلا يسعه إلا أن يتبول عليها وهو يردد «إذاً فقد جئتم لكي تحررونا»! مكث الجيش الأمريكي في أفغانستان مدة عشر سنوات بعد هجمات سبتمبر 2001، وظّف خلالها أعداداً كبيرة من الأفغان من أجل مساعدة الجيش الأمريكي في أداء مهماته القتالية لدحر طالبان. القوات الأمريكية استطاعت دحر الحركة المتطرفة وإسقاطها عن الحكم والإتيان بحكومة أفغانية صديقة للولايات المتحدة، لكن نجاح الحكومة وجيشها الجديد ظل محدوداً جداً في إرساء السلام والحياة الديمقراطية المدنية في أفغانستان، وبقي نفوذ الحكومة الأفغانية مقتصرا على مناطق معينة. فالحركة المتطرفة لم تنته، لكنها هربت إلى الجبال وأخذت تمارس حرب العصابات على الأمريكيين وحلفائهم حتى قتلت ما يقارب 1500 جندي أمريكي. وما زالت، حتى تاريخه، تواصل إصابة مصالح الدولة الأفغانية في الكثير من مفاصلها المؤلمة. حالما قرر الأمريكيون الرحيل من أفغانستان، مع مجيء الرئيس باراك اوباما وسياسته المعروفة في النأي بالقوات الأمريكية عن التدخل المباشر في الحروب الإقليمية، واجهتهم مشكلة الذين عملوا مع الجيش الأمريكي والذين أصبحوا بسبب تعاونهم مع (الغزاة) الأمريكان هدفاً مشروعاً لدى طالبان، فسن الكونجرس الأمريكي سنة 2009 قانوناً لإعطاء المتعاونين مع الجيش الأمريكي بأفغانستان فيزا دخول إلى الولاياتالمتحدة تقديرا للخدمات التي قدموها، فتم حتى تاريخه اختيار ما يقارب 8528 شخصاً وما زال الكثيرون ينتظرون. أدت ظاهرة الإرهاب العالمي واستغلاله موجات النزوح واللجوء لتنفيذ أغراضه المميتة، كما يحدث في أوروبا، إلى التعديل الأخير على قانون اللجوء الأفغاني، والذي سيكون سارياً في نهاية شهر مايو، والذي يحصر المستحقين للدخول إلى أمريكا من الأفغان في أولئك الذين خدموا كمترجمين عسكريين في القواعد الأمريكية وتحت طائلة إطلاق النار، أو فيما سماه القانون مهمات (موثوقة وحساسة). ذلك سيؤدي إلى استثناء كثيرين ممن عملوا كإطفائيين، أو في الصيانة، أو مهمات كتابية كمساعدين إداريين، فيبدون وكأنهم أضحوا أكباش محرقة لقوى الصراع في بلادهم. وعودة إلى الفيلم الذي أنتج سنة 2008 أي قبل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وقبل سن القانون الأول، فمن المعروف بداهةً أن الجيش الأمريكي لا يترك خلفه جثة لأحد جنوده، لكن مخرج الفيلم، الذي أبرز الجنود الأمريكان في صورة كاريكاتورية رثة جداً، تجاوز ذلك الواقع ليوصل رسالة عتب، بطريقة فجة إلى حد ما، على جثة الجندي الأمريكي المتروكة في الصحراء، وبدا وكأن بطل الفيلم يصلح أن يكون أحد أولئك الذين يعدون بالآلاف وقد تركوا لمصيرهم، ولكي يتدبروا أمرهم مع حركة متشددة لن تألو فيهم إلاً ولا ذمة.