بعد أن صلينا الظهر جماعة، جاء صديقي زيد وهو ذو لحية لم يتسلل الشيب إليها، لزيارتي في مكتبي. وكنت ألاحظ نظراته عبر الفاصل الزجاجي بيني وبين أحد زملاء العمل. وأخيرا قال لي: ما بال زميلك هذا الشاب لم يصل معنا. فقلت له: لعله مشغول. قال كل يوم هكذا؟ فأجبت: نعم. فقال ألا تكلمه؟ فقلت: لا داعي لذلك فهو يرانا نخرج من مكاتبنا وقت الصلاة ونتوضأ ونصلي ثم نعود أمام عينيه. فقال: أنا أكلمه. قلت باسما: أنت وشأنك. فخرج من مكتبي. ورأيته وهو يسلم ثم يجلس عند زميلي عمرو. وبعد دقائق عاد زيد بوجه غير الذي جاء به. وبدأ القول قبل السؤال: أنا غلطان أني سألته. كأنما ألقمني حجراً. فضحكت. وسألته: أيش قال لك. قال عمرو: ذكر لي أن والده ما كان يصلي إلى أن مات، وأنا العبد الفقير أصلي الظهر قبل خروج وقته، فإذا انتهيت من فريضة الظهر يأتيني صوت المؤذن لصلاة العصر، فأصلي العصر. هل هذا أحسن أم طريقة الوالد رحمه الله؟ قلت لعمرو: وكيف تجاوبت مع هذي المعضلة؟ قال: قلت له تمام التمام والحمد لله. ثم خرجت من مكتبه وشعرت أني دخلت في مسألة لا ناقة لي فيها ولا جمل. أنت يا زيد لا تعرف ظروف الناس. خذ قصة كنت أنا بطلها. ذات ليلة كنت أنتظر خروج أهلي من صالة أفراح. فرأيت شخصا يرتدي ثوبا وغترة بيضاء متجهاً إلى مدخل صالة النساء. فهتفت لعله يسمعني: هذه بوابة الحريم. وفي الوقت نفسه خرجت زوجتي وعندما وصلت إليّ قالت: أيش قلت للحرمة الداخلة واضح أنك زعلتها. اتضح أن الشخص هو امرأة مدعوة إلى الحفل لابسة عباءة بيضاء وطرحة بيضاء قالت: لا حول ولا قوة إلا بالله. وضحكنا وشر البلية ما يضحك. فحتى لو كانت رجلااً، فإن المشرفات على الصالة سيطردن المقتحم عليهن. ولنفرض أنه رجل استطاع التسلل إلى الداخل، فإن المدعوات سيقتلنه ضرباً ورفسا. وذلك ما لم أفكر فيه. كلما دار ببالي أنه أخطأ بوابة الرجال، فأردت أن أنبهه على خطئه. ولا أعلم أي شتيمة سمعتها زوجتي من المتلفعة باللون الأبيض. أكرر لقد تدخلت في موقف لا ناقة لي فيه ولا جمل. أتذكر أننا قبل 40 سنة كنا نقف بعدا أداء العمرة على جبل المروة، وربما جاءنا فتى ومعه مقص فيقف ويدعو ونحن نردد وراءه: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني. دعاء جميل ينبهنا إلى الحكمة في تعاملنا مع الناس. وكان شيخي العلامة الحبيب سالم الشاطري يقول: سمعنا من علمائنا إن الله لا يعذب على المنكر المختلف فيه، وإنما يعذب على المنكر المتفق عليه.