لم تكن دهشتي كبيرة بقدر سعادتي عندما قرأت خبرا على لسان الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، مفاده أن غرفة تحكم ميناء المدينة الاقتصادية تديرها مائة وسبعون فتاة سعودية، هذه المدينة الذكية تعمل بجدية على مساواة الفرص الوظيفية بين النساء والرجال في حين لم تتعد نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل - وفق آخر إحصائيات - 16% فقط.. إدارة نسائية لأكبر ميناء تجاري في المملكة - في عامه الثالث من التشغيل - الذي يعتبر أول منفذ حيوي على المستوى الوطني يمتلكه القطاع الخاص وتديره جهة تنظيمية واحدة، وهو ما سيعزز - حتما - موقعه على خريطة الموانئ العالمية كنموذج رائد في إدارة الأعمال البحرية في المملكة. ويتميز الميناء التجاري بموقعه الجغرافي الاستراتيجي وخدماته المتكاملة من خلال استخدام أحدث التقنيات، بالطبع هذه خطوة واعية لأثر تفعيل القوة العاملة النسائية في النشاط الاقتصادي السعودي. في أبحاث نشرها صندوق النقد الدولي، تشكل النساء ما يزيد - بقليل - على نصف سكان العالم، لكن مساهمتهن في النشاط الاقتصادي والنمو لاتزال أقل بكثير من المستوى المطلوب، وهو ما ينطوي على عواقب اقتصادية كلية ووخيمة، وتتوافر أدلة على أنه حين تتمكن المرأة من تنمية إمكاناتها الكاملة في سوق العمل، يصبح من الممكن تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن عمل المرأة مدفوع الأجر يمكن أن يكون أهم عامل للحد من الفقر لدى الدول النامية. وتسفر زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة وحصولهن على دخل عن زيادة الانفاق على النواحي التعليمية، ما سيتسبب في دورة اقتصادية حميدة. وفي خبر نشرته مجلة «ذا ريتشيست» الأمريكية، رصدت المجلة عشرة من أكبر وأغلى المشاريع التي شهدها العالم في العصر الحديث وكان من بينها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في السعودية ودبي لاند في الامارات العربية المتحدة، ونالتا المرتبتين الرابعة والخامسة على التوالي بين المشروعات المرصودة، وستبلغ تكلفتها «مدينة الملك عبدالله» 100 مليار دولار معظمها من مصادر تمويل خاصة كما كان يأمل الملك الراحل، بحيث تتحقق مشاركة حقيقية للقطاع الخاص في التنمية الاقتصادية للمملكة، وينشأ بذلك اقتصاد أعمال حديث. هذا المشروع العملاق الذي سيكون مستقبلا اقتصاديا ضخما ويوفر مصادر دخل بديلة للنفط هو وبقية المدن الصناعية الأربع الأخرى، هو نتاج الرؤية الحكيمة ووضع الأهداف بعيدة المدى والتخطيط والدراسة وفق معايير علمية عالمية، ثم التنفيذ الدقيق لهذا السبق الاقتصادي الضخم على شاطئ البحر الأحمر. التخطيط والتنفيذ والإدارة: ثلاثة مفاصل رئيسة لتجاوز أغلب معضلاتنا التنموية المتعثرة في القطاع الاقتصادي، وتحقيق ما نحن أهل له بوجود كل تلك الكوادر الشابة لبناء مستقبل هذا الوطن بشكل صحيح وسليم يضمن له الاستمرار بقوة في مواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة، وخلق واقع عملي عالمي جاذب لأبنائنا يحقق طموحهم في نيل معيشة تتوافر فيها جميع المتطلبات الأساسية للحياة الكريمة في مدن عصرية راقية داخل حدود هذا الوطن، واليوم السيدات السعوديات وجدن الطريق ليصبحن سواعد فعالة في دفع عجلة الاقتصاد الوطني برعاية حكومية عادلة وحكيمة، ويتخذن المكان الحقيقي لهن، فلطالما تحدين المعضلات واستحققن التقدير.