في موضوع الدماء، أعتقد أننا يجب أن نكون أمام ثلاثة طرق لا رابع لها، بل إن علينا أن نسعى إلى إغلاق كل طريق غير هذه الطرق، فالمفاسد المترتبة على هذه الطرق البديلة أكثر من المصالح: إنفاذ القصاص والقصاص حياة للمجتمع بأكمله، الدية الشرعية وهي محددة ومعروفة، العفو لوجه الله فقط. وحول "فقط" ندندن، ويجب أن ندندن، فالعفو لوجه الله عز ورفعة لأهله في الدنيا والآخرة، ويكفيهم أن المولى - سبحانه - جعل أجرهم عليه لا على أحد سواه، ولم يحدده لعظمته، بل حكم - سبحانه - بأن "فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، وكفى بعطايا ملك الملوك سبحانه!. كما أن في العفو حماية حقيقية للمجتمع كالقصاص، بزيادة أواصر الحب والأخوة والألفة والانتقال من الأحقاد إلى آفاق العفو والعافين!. ولذلك واجبنا تجاه العافين تقديرهم والحفاوة بهم، وحماية جنابهم أن يجترئ على مقامهم المدّعون، يعني بتحديد أكثر، من يطلب مقابل تنازله مبلغاً من المال، كما حصل في الفترة الماضية من حملات مليونية لإعتاق الرقاب، لا يحق له أن يقول: إني عفوت لوجه الله! ولا أن ينتظر منا تقديراً وتكريماً، فقد أخذ ما طلبه، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا حق له سوى ذلك!. كلما رأيت عفوا لوجه الله سعدت، وكلما رأيت تقديراً لعاف سعدت أكثر، ولذلك فإن تقدير صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز للأستاذ مبارك بن محمد الدوسري وإخوانه الذين عفوا عن قاتل شقيقهم لوجه الله في محافظة النعيرية، واستقباله لهم قبل يومين في امارة المنطقة، تقدير مستحق وفي محله! فهذا الرجل وإخوانه قدموا أنموذجاً سعودياً يعكس القيم التي يتمتع بها هذا المجتمع بمناطقه وقبائله وكل شبر فيه، ولذلك ففضلهم - وإخوانهم العافين- على كل مواطن سعودي محب لهذا الوطن ومدرك لعواقب التساهل في الدماء، تعدياً ومتاجرة!. رحم الله الفقيد الدوسري ونفعه بعفو إخوانه، وأحلهم جميعاً في منازل العافين! وأعتقد أن تقدير العافين يجب أن يكون مشروعاً مجتمعياً يحرص عليه الجميع، حفاوة بهؤلاء الرجال الذين ضربوا مثالاً حياً في الشجاعة والسمو، وأسهموا في زيادة ترابط مجتمعنا واجتماع كلمته. يقول أحد الكبار: اثنان لا يربح صاحبهما: مهر البنت، ومبلغ التنازل عن الدم!.