طالب المفكر والداعية الاسلامى الدكتور عبدالرحمن عباس سلمان الأستاذ بكلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر بأسيوط، بسن تشريعات صارمة لضبط عملية الافتاء في المجتمعات الاسلامية، ومنع غير المتخصصين من العمل بالافتاء، داعيا وسائل الاعلام لتطبيق مواثيق الشرف الاعلامية وعدم استضافة غير المتخصصين في العلوم الشرعية للحديث عن القضايا الدينية، وافساح المجال أمام الدعاة والعلماء المشهود لهم بالعلم والتقوى لتقديم الفتاوى والاحاديث الدينية، محذرا من خطورة تفشى الأمية الدينية، واقتحام غير المتخصصين ساحة الدعوة والافتاء، للمتاجرة بدين الله لتحقيق أهداف دنيوية. وطالب الدكتور عبدالرحمن عباس في حديث خاص ل"اليوم"، المسلمين باللجوء الى العلماء المشهود لهم بالامانة عند طلب الفتوى، مؤكدا أن تصدي غير المتخصصين للافتاء عبر القنوات الفضائية ووسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعى، قد أدى الى تشويه صورة الاسلام لدى غير المسلمين بسبب ما يسمعونه من آراء متناقضة وفتاوى متضاربة عبر الفضائيات، مطالبا بتجديد الخطاب الديني ليساير معطيات العصر ويعمل على تصحيح المفاهيم لدى الشباب وتحصينه ضد الانحراف الفكرى والتشدد. وفي الحديث التالي نتعرف على المزيد من آرائه: التراث الاسلامي * عقدت جامعة الازهر مؤخرا مؤتمرا بعنوان "الفهم الصحيح للتراث الاسلامى وأثره في علاج الانحراف الفكرى"، لماذا تم اختيار هذا الموضوع بالذات؟ * نظرا لما تواجهه البلاد والشعوب الإسلامية من خطر مطبق يداهمها من الداخل والخارج ومن أبواق يردد أصحابها مقولات غيرهم ويحاربون الدين بالوكالة عن الآخرين الحاقدين والماكرين، كالذين يصرخون منادين باستدبار ثقافتنا وتراثنا الإسلامي بحجة أن هذا التراث ما هو إلا أوراق بالية يجب أن نلقي بها خلف ظهورنا، وأن نولي وجوهنا قبل الغرب حتى نعيش كما يظنون كما يعيشون وننعم بمثل ما به ينعمون، والإغراء رهيب والحملة أشد فتنة وأشد رهبا وقد وقع هذا الطرف من المعادلة بمقولاته تلك في أقصى اليسار في جانب التفريط، ليقابله اتجاه آخر أشد وأعنف كردة فعل ليقف في أقصي اليمين ممثلاً الإفراط، وهنا وبسبب هذا التباين في المواقف يقع الصدام وتحدث المشكلات، فيتولد ما يسمى بالعنف والإرهاب وما ذلك كله إلا نتيجة لسوء الفهم من الطرفين. والحكمة قاضية في ديننا الحنيف أنه لا إفراط ولا تفريط، وهنا يأتى دور علماء أزهرنا الشريف بكافة قطاعاته وبما يمثله هذا الصرح العلمي من مرجعية دينية للمسلمين في العالم كله، على مر التاريخ ماضيه وحاضره ومستقبله. * لكن ما الهدف الرئيسى لعقد هذا المؤتمر؟ -إن الهدف الرئيسي لانعقاد هذا المؤتمر أولاً: بيان المنهج السديد في التعامل مع التراث الإسلامي في ضوء فكر أئمة المسلمين عبر العصور، ثانياً: اعتماد الحوار العلمي المرتكز على الأدلة والبراهين في مناقشة الأفكار المنحرفة، مع وضع ضوابط تشريعية لحفظ التراث الفكري والمادي، ثالثاً: توسيع دوائر الحوار الفكري الناضج ليشمل إلى جانب المتخصصين المفكرين والأدباء والقانونيين والمعنيين بالمجتمع والفن والآثار، رابعاً: الاستفادة من جهود المجددين في التراث الإسلامي واجتهاداتهم لإحياء الدين في نفوس المسلمين، وإعداد جيل من العلماء يجمع بين الأصالة وفهم الواقع فهماً صحيحاً لإحداث التوازن بين فهم الثوابت والوقوف على الأحكام التي تتناسب مع العصر وأن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان كما أراده الله سبحانه وتعالى. تجديد التراث * ما تعليقك على الدعوة التى تثار من حين لآخر حتى من بين علماء الازهر انفسهم أنه لا بد من تنقية التراث أو تجديده؟ -إن الأزهر الشريف دائماً يأخذ المبادرة لتحديد المفاهيم وتحرير المقولات التي تتنازع فيها الأطراف المختلفة على الساحة الإسلامية وغيرها في كافة القضايا، ويرفع الصوت الإسلامي المعتدل عالياً ضد التطرف والإرهاب، هذا الداء العضال الذي يحتاج إلى دواء، وعلاجه في الأساس إنما هو في ترسيخ المفاهيم الصحيحة التي استنبطها علماؤنا الثقات من نصوص الوحي قرآناً وسنة، مخاطبين الجميع بحوار فكري هادئ وبناء مؤكدين أن الضرورة ملحة لمعرفة حقيقة التراث وأهميته في حفظ هوية أبناء الأمة الإسلامية، إيمانا منهم أن القواعد والأصول هي التي يثبت العلم بها ويقوى، وتقود أصحابها إلى الفهم الصحيح والممارسات الهادفة والبناءة، ومحذرين من أن التفريط في هذه القيم والثوابت هو ما ينتج عنه الانحراف بكافة صوره وجميع أشكاله مما ينذر بالخطر الداهم على أمتنا الإسلامية، بل ويهدد العالم كله مؤثراً على أمنه واستقرار شعوبه، والأزهر يتخذ اتجاهاً وسطياً لا يؤمن بالانسداد الفكري أمام دعوات التجديد ولا يدعو إلى الانفتاح دون ضوابط وآليات تحافظ على أصالته أو تزعزع ثوابته أو تفقده هويته، فلا بد لمن يتصدى إلى إعادة قراءة التراث يجب أن يتحلى بالتجرد والموضوعية وأن يكون على وعي ودراية بلغة التراث التي كتب بها والوقوف على معطياتها وأسرارها، وألا يجتزئ نصاً من السياق أو يقدم نظرة جزئية ضيقة، فماذا يبقى لنا إن بددنا تراثنا فهل نقف مكتوفي الأيدي حتى تقع تلك المأساة لا قدر الله ثم نبكي حظنا ونجلد أنفسنا أننا أضعنا تراثاً عالياً وأهملنا القيام عليه حيث لا ينفع الندم ولا تجدي دموع الشفقة، بل ماذا يبقى منا نحن كأمة أو كشعب؟ وماذا تساوي الأمة بدون تراثها، نعوذ بالله جميعاً من أن نؤول إلى هذا المآل. * ما تعليقك على الدعوة الى التجديد في الاسلام لمواكبة العصر بحجة ان هناك أحكاما وفتاوى كان يتم تطبيقها منذ قرون ويتم تطبيقها في عصرنا هذا رغم تغير الزمان، ومن الذى يقوم بالتجديد؟. * إن ديننا الإسلامي الحنيف له ثوابت وفيه متغيرات، هذا الدين الذي جعله الله صالحاً لكل زمان ومكان، وكانت الحكمة لتجمع بين المحافظة على الثوابت وفقه المتغيرات بإنزال الأحكام الشرعية على الوقائع العملية في دنيا الناس، باعتبار أن الشريعة ما جاءت إلا لمصالح العباد وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله، فديننا لا يعرف الجمود ولا التخلف عن ركب الحضارة ولا يحق لأحد أن يتهمنا بذلك، ونقولها صريحة إننا مع ثوابت هذا الدين كصلابة الحديد، ومع متغيراته كنعومة الحرير، هذه المهمة التي تقع على عاتق علماء الشريعة وفقهاء الإفتاء. فتاوى الفضائيات * كما تعلمون أن الساحة الدعوية تعج الآن بالغث والسمين، بالاضافة لتصدي كثير من غير المتخصصين في العلوم الشرعية للدعوة والافتاء عبر الفضائيات ووسائل الاعلام المختلفة، من وجهة نظرك كيف يمكن مواجهة هذه الاشكالية؟ * أولا وجوب أخذ العلم من مصادره الصحيحة من العلماء المتخصصين لأن المسلم عندما يذهب للعلماء المتخصصين لمعرفة الامور الدينية، فلن يذهب أحد لغير المتخصصين وستظل بضاعتهم كاسدة، هذا بالاضافة أهمية سن تشريعات صارمة لضبط عملية الافتاء في المجتمعات الاسلامية لمنع تضارب الفتاوى التى تصدر من غير المتخصصين وانصاف المتعلمين ومنعهم من العمل بالافتاء، هذا من ناحية أخرى يجب أن تلتزم وسائل الاعلام بتطبيق مواثيق الشرف الاعلامية، وعدم استضافة غير المتخصصين في العلوم الشرعية الذين لديهم رغبة في حب الظهور في الاعلام، للحديث عن القضايا الدينية أو القيام بالافتاء، ويجب على وسائل الاعلام وخاصة الاعلام المرئى، افساح المجال أمام الدعاة، والعلماء المشهود لهم بالعلم والتقوى لتقديم الفتاوى والاحاديث الدينية. * لكن ما الذى يدفع بالمسلم الى هؤلاء غير المتخصصين لأخذ الفتاوى عنهم، هل هو تقصير من علمائنا الحقيقيين، أم من جانب وسائل الاعلام بعدم استضافتهم؟ * بسبب تفشى الأمية الدينية، واقتحام غير المتخصصين لساحة الدعوة والافتاء، عبر القنوات الفضائية ووسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعى للمتاجرة بدين الله لتحقيق أهداف دنيوية، فضلا عن تعمد بعض الفضائيات استضافة هؤلاء غير المتخصصين في العلوم الشرعية لتحقيق نوع من الاثارة وبالتالى تحصل هذه الوسائل على أكبر نسبة مشاهدة. * برأيك ما حجم الخطر الذى يتحقق نتيجة ظهور غير المتخصصين في العلوم الشرعية للحديث عن الاسلام؟ * تصدي غير المتخصصين للافتاء، قد أدى الى تشويه صورة الاسلام لدى غير المسلمين بسبب ما يسمعونه من آراء متناقضة وفتاوى متضاربة عبر الفضائيات، فضلا عن البلبلة التى تحدث لدى المسلم عندما يستمع لآراء متناقضة. الخطاب الديني * أخيرا كيف ترى الخطاب الديني حاليا وما هي مواصفات التي يجب أن يكون عليها هذا الخطاب؟ * الخطاب الديني حاليا يعاني من بعض أوجه القصور، فلا بد من خطاب ديني يساير معطيات العصر ويعمل على تصحيح المفاهيم لدى الشباب، وتحصينه ضد الانحراف الفكرى والتشدد وضرورة الاهتمام بالنشء في المراحل الأولى ومراقبة ما يلقى إليهم من مواد معرفية.