عندما نسترجع الماضي، نجد أن مفاهيم المجتمع كانت متشابهة لحد كبير فيما يخص المساواة والاحتياجات ومنها تثبتت اساسات القناعة والغنى. فمسألة المقارنة كانت محدودة بسبب قلة الموارد وتطابق نمط العيش وكان الثراء يحدد بمنزل اكبر كساحة او تجارة بسيطة تعاقبت عليها اجيال عائلة ما. اضف الى ذلك ان التكافل الاجتماعي كان حاضرا ليلغي الفوارق بين اطياف المجتمع الذي كان محددا بتقسيمات تسهل قراءتها وتمييزها. تغيرت الحياة وجاءت المدنية التي رفعت من سقف الاحتياجات ونمط المعيشة وخلقت منا مجتمعا استهلاكيا تحكمه المظاهر بشكل كبير. ومنه اتى التقسيم الى طبقات فأصبح لدينا الطبقة العاملة او الكادحة والوسطى والعليا، وكل واحدة لها تقسيمها هي الاخرى. ما يعنينا هنا هي الطبقة الوسطى، هذه الطبقة اخذت اهميتها كونها اعتمدت كمقياس للتوازن في المجتمع. حيث انها تمثل الفئة من ذوي التعليم الجيد إن صح التعبير والدخل ممن يشكلون الركيزة الاساسية لسوق العمل في عمومه وهي التي تعبر عن تكافؤ الفرص بالجهود والأداء. علما بأن هذه الفئة ليست خاضعة لتعاريف ثابته دوما. للاسف ان هذه الفئة بدأت تكثر عليها الضغوط الحياتية في ما نعيشه اليوم بل ان بعض الباحثين تجاوز ذلك بأن تنبأ بتلاشيها قريبا, وهذا مؤشر خطير وغير صحي ابدا عندما تبحث عن مجتمع متوازن. للاسف اننا مجتمع استهلاكي من الدرجة الاولى وهذا يعني ان المقارنة لنمط المعيشة هي المقياس لتحديد الفئة. وهذا سيجعل المجتمع عبارة عن طبقتين احداهما تبحث عن قوت يومها والاخرى تعيش الثراء الفاحش فيكون القرار هنا اما للنزول وهو سهل او الثراء السريع والذي سيستدعي التخلي عن الكثير من المبادئ والقناعات السليمة في لهث وراء المادة وتبرير ذلك بدعاوى النجاة ومواجهة صعوبات الحياة المتزايدة! ما سبق, يمكن ان يكون الاساس للفساد بكل انواعه وتعريفاته, فضغوط الحياة وعملية التغيير سوف تدفع العاقل لاستمراء الحرام دون الحلال. ومع مرور الوقت يصبح الحرام حلالا والسرقة ذكاء اجتماعيا والرشاوى حقا مكتسبا وصورة من صور التكافل! لإعادة التوازن يجب الاعتدال وإعطاء كل ذي حق حقه وهذا يبدأ من الفرد نفسه. إضافة الى دعم فئة الشباب والاستثمار فيهم لكي يواجهوا صعوبات الحياة إضافة الى تقديم الفرص الحقيقية ومساواتهم بغيرهم من الوافدين في سوق العمل. فهم صمام الامان الحقيقي والقاعدة الثابتة لمستقبل واعد ومستقر.