مقال هام نشره الأستاذ جميل الذيابى بعنوان «الطبقة الوسطى فى السعودية» بجريدة الحياة يوم الاثنين 6 من اغسطس 2012 م، يجب ألا يمر دون متابعة. بدأ الاستاذ الذيابى مقاله بجملة بسيطة قائلا «الطبقة الوسطى تتآكل فى السعودية». وذكر أن تحقيقا صحفيا أشار الى ان الطبقة المتوسطة فى المملكة العربية السعودية اصبحت تشكل ما نسبته 30% (ثلاثين فى المائة) فقط من مجموع تعداد المواطنين، وهى نسبة صغيرة جدا، قد تكون لها عواقب سيئة إن استمرت. نعلم أن الطبقة المتوسطة فى اى مجتمع تشمل عموما طبقة التكنوقراطيين، والمدرسين وأستاذة الجامعات، وموظفى المكاتب من ذوى الياقات البيضاء فى الوظائف الحكومية والشركات، والكثير من رجال الشرطة والجيش والمهنيين، والعمال المهرة، إلى آخره. أى انها تمثل أكبر شريحة في أى مجتمع متكامل ومنتج، وعادة ما تمثل نسبة مئوية تراوح بين ستين وسبعين فى المائة، بل وأكثر فى بعض المجتمعات المتوازنة الفعالة. والموضوع يختص عموما باقتصاد البلد المعنى، ويختلف من بلد إلى بلد. فالطبقة المتوسطة فى اليمن لا يمكن مقارنتها بالطبقة المتوسطة فى النرويج مثلا. وبالطبع هناك تدرجات فى الدخل السنوى ضمن إطار الطبقة المتوسطة، ولكن فى جميع الدول المتقدمة هناك سلم معروف لدخول الطبقة المتوسطة بمختلف تدرجاتها وخلفياتها، مع تحديد ما يتحمله الفرد من ضرائب أو رسوم، وما يحصل عليه أيضا من مميزات وخدمات وإعفاءات. وللأسف لا يوجد لدينا فى المملكة حتى الآن مقياس واضح لتعريف معنى الطبقة المتوسطة، سوى أنها تلك الطبقة التى ليست بالفقيرة وليست بالغنية، بحساب الاحتياجات المادية والمالية فقط. فالفقر والثراء أمران نسبيان قد لا يقاسان بالمقاييس المادية أو الاقتصادية فقط دون اعتبار للقيم والمبادئ. وعندما قال علي بن أبي طالب انه لو كان الفقر رجلا لقتلته، فقد كان يقصد ذلك الفقر الذى يمتد أثره السلبى الى القيم والمبادئ، فيثير الفتن والأحقاد بين طبقات المجتمع، ويقود الى تدهور الأخلاق والفساد الاجتماعى، وهو ما أدى الى كثير من الثورات الشعبية فى التاريخ. والمعروف ان نمو وازدهار الدول يعتمد كثيرا على نشاط الطبقة المتوسطة النشطة فى مجتمعاتها، فهذه الطبقة المتوسطة هى عصب المجتمعات وعمودها الفقرى. وكلما ارتفعت نسبة تعداد الطبقة المتوسطة فى المجتمع، زادت فعالية المجتمع ومقدرته الإنتاجية. وقد وصلت نسبة الطبقة المتوسطة فى بعض مجتمعات الدول لاسكندنافية الراقية الى تسعين فى المائة وأكثر. ولكن مشكلة الطبقة المتوسطة عندما تضطرها الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية الى التقلص أوالانكماش، فإنها غالبا ما تنحدر إلى شريحة الطبقة الفقيرة أو المعوزة، ونادرا ما تتجه الى الأعلى، أى إلى الطبقة الغنية. أما أسباب تراجع الطبقة المتوسطة فى المجتمعات فهى معروفة، وأهمها تفاقم مشكلة الغلاء وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والكمالية والخدمات. ويزيد الطين بلة إذا ما صاحب ذلك الغلاء أيضا ثبات الأجور والرواتب (بما فى ذلك رواتب التقاعد) لفترات طويلة دون زيادات تتناسب مع الغلاء وارتفاع الأسعار والتضخم. ويضاف الى هذه الأسباب أيضا تراجع مستوى الخدمات العامة أو تدهورها مما يضطر المواطن الى اللجوء الى المصادر الأكثر تكلفة. وإن لم يعالج الأمر، فسوف يقود هذا الى زيادة عدد الفقراء على حساب الطبقة المتوسطة القادرة والمنتجة، مع بقاء الطبقة الغنية شبه ثابتة. وبذلك تتسع الفجوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة فى المجتمع مع تآكل «حلقة الوصل» بينهما وهى الطبقة المتوسطة، فيختل توازن المجتمع إلى أن يصل الى حالة خطيرة من فقدان الرضا والاستقرار الاجتماعى. أرجو أن يكون التحقيق الصحفى الذى يشير إلى انكماش الطبقة المتوسطة فى المملكة، قد استطاع أن يدق ناقوس الخطر. ويجب التحقق من صحة محتواه، فإن كان صحيحا، فلنفعل شيئا بكل شجاعة ودون تباطؤ، وإن لم يكن فيجب إعلان الأرقام الصحيحة بكل شفافية. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة